الأب الروحي للفيزياء الحديثة : السيرة الذاتية لألبرت أينشتاين


يعتبر الفيزيائي الألماني ” ألبرت أينشتاين ” العالم الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين، والذي طرح النظرية النسبية العامة بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى.

موجز:

ولد أينشتاين بمدينة أولم (Ulm) في ولاية فورتمبورغ (Württemberg) الألمانية عام 1879، كان أينشتاين شغوفًا بالتحقيق والتساؤل الأمر الذي قاده في النهاية إلى تطوير النظرية النسبية بشقيّها الخاصة والعامة، فاز أينشتاين بجائزة نوبل عام 1921 وذلك نتيجة لبحثه في الفعل الكهروضوئي، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العقد اللاحق وذلك نتيجة استهدافه من قبل النازية، مات أينشتاين في الثامن عشر من نيسان (أبريل) عام 1955 في مدينة برنستون (Princeton) في ولاية نيوجرسي (New Jersey) الأمريكية وذلك بعد قضائه الأعوام الأخيرة من حياته في البحث عن نظرية الحقل الموحد.

اعتُبِر أينشتاين العالم الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين، وأثرت أعماله بشكل أساسي في تطوير مجال الطاقة الذرية.

سنوات حياته الأولى:

ولد ألبرت أينشتاين في الرابع عشر من آذار (مارس) عام 1879 بمدينة “أولم” في ولاية “فورتمبورغ” الألمانية لعائلة يهودية علمانية، كان والده “هيرمان أينشتاين” يعمل بائعًا ومهندسًا، وأسس مع شقيقه شركة لتصنيع المعدات الكهربائية، وكانت والدته “بولين كوخ” تدير الأعمال المنزلية للعائلة، وبعد عامين من ولادة أينشتاين ولدت شقيقته “مايا”.

mte4mdazndewntezmzmxnzi2

التحق أينشتاين بالمرحلة الابتدائية في معهد “لويتبولد جيمناسيوم”Luitpold) Gymnasium) في ميونخ، حيث شعر بالغربة وعانى من النظام التربوي الصارم للمعهد، وبالرغم من كونه شغوفًا بالموسيقا الكلاسيكية وتعلمه العزف على الكمان حيث عزف عليه طوال حياته، إلّا أنه واجه صعوبة في النطق في سنواته المبكرة، وعرف عنه في صباه حبّه الشديد للاستطلاع والتساؤل.

أصبح صديق العائلة “ماكس تالمود” في أواخر الثمانينات من القرن التاسع عشر معلمًا لأينشتاين الصغير بشكل غير رسمي، وهو طالب طب بولندي الأصل كان يشارك العائلة في العشاء من حين لآخر، وسرعان ما عرّفه على نصوص علم الأطفال والتي بدورها ألهمت أينشتاين للتفكير بطبيعة الضوء، وخلال السنوات العشر التالية كتب أينشتاين ورقته البحثية الأولى بعنوان “التحقيق في حالة الأثير في الحقل المغناطيسي”.

الإقامة في سويسرا:

انتقلت عائلة أينشتاين إلى مدينة “ميلان” الإيطالية في منتصف التسعينات من القرن التاسع عشر وذلك بعد تدهور أعمال العائلة، في حين بقي أينشتاين في منزل أقارب العائلة بولاية “ميونخ” لإكمال دراسته في معهد “لويتبولد جمناسيوم”، ومع تقدمه في العمر واجه مشكلة التجنيد الإلزامي، والتي استطاع التهرب منها والانسحاب من الصفوف الدراسية بواسطة تقرير طبي زعم فيه معاناته من إجهاد عصبي، وعند لمّ شمل أينشتاين مع عائلته في إيطاليا تفهمت عائلته وجهة نظره إلّا أنها كانت قلقة على مستقبله كونه ترك الدراسة قبل تخرجه.

دخل مدرسة “البوليتكنيك” الفيدرالية السويسرية في “زيورخ”، وخاصةً بعد حصوله على علامات ممتازة في الرياضيات والفيزياء في امتحان القبول، إلّا أنه كان ملزمًا بإكمال دراسته ما قبل المرحلة الجامعية، لذلك التحق بالمدرسة الثانوية في “آراو” بسويسرا بإدارة “جوست وينتلر”، وعاش مع عائلة مدير المدرسة ووقع في حب “ماري” ابنة وينتلر. وتخلّى لاحقًا عن الجنسية الألمانية وأصبح مواطنًا سويسريًا في مطلع القرن العشرين.

زواجه وعائلته:

أثناء سنوات دراسته في زيورخ أنشأ صداقاته وعلاقاته الاجتماعية، كما التقى بزوجته العتيدة طالبة الفيزياء الصربية “ميليفا ماريك”.

mte5ndg0mdu0otu2mjq2ntqz

واجه تحدياتٍ في الحصول على مركز أكاديمي بعد تخرجه من معهد البوليتكنيك، وذلك لعدم حضوره الحصص الدراسية واعتماده بدلاً من ذلك على الدراسة لوحده.

وأثناء دراسته وطد أينشتاين علاقته أكثر بميليفا إلا أن والداه عارضا تلك العلاقة نظرًا لخلفيتها الأثنية، ومع ذلك استمر أينشتاين في مواعدتها، وتواصلا مع بعضهما بواسطة الرسائل التي شرح فيها أينشتاين الكثير من أفكاره العلمية، وفي عام 1902 أنجبا طفلة أسمياها “ليسيرل”، والتي بقي مصيرها غامضًا حيث تقول بعض الروايات أن عائلة مقربة من “ميليفا ماريك” زوجة أينشتاين قامت بتربية الطفلة وروايات أخرى تقول بأنها وضعت للتبني.

حصل أينشتاين على عمل ثابت في العام 1902 كموظف في مكتب لبراءات اختراع في سويسرا، وبعد وفاة والده تزوج ألبرت من ميليفا في السادس من حزيران عام 1903 وأنجبا ولدين هما “هانز” و”إدوارد”.

لم يكن زواج أينتشاين وميليفا سعيدًا ولاحقًا تطلق الزوجان في عام 1919 وأصيبت ميليفا بصدمة عاطفية نتيجة الطلاق، ووافق أينشتاين على إعطاء الجائزة المالية من جائزة نوبل لميليفا في حال فوزه بها في المستقبل كجزء من تسوية الطلاق.

حظي أينشتاين بعلاقة عاطفية مع ابنة عمه “إيلسا لوينثال” قبل طلاقه من ميليفا وتزوج منها بعد طلاقه، واستمر بعلاقاته مع نساء أخريات حتى أثناء زواجه من إيلسا، والذي انتهى في عام 1936 بوفاتها.

السنة المعجزة:

أثناء عمل أينشتاين في مكتب براءات الاختراع حظي بالكثير من الوقت للتفكير والعمل على أفكاره التي كانت تراوده أثناء دراسته في معهد البوليتكنيك، ورسخت تلك الأفكار نظرياته التي عُرِفَت لاحقًا بمبادئ النسبية.

في عام 1905 والذي عُرِفَ بالسنة المعجزة، نشر أينشتاين أربعة أوراق علمية في صحيفة أنالين دير فيزيك (Annalen der Phusik) والتي كانت أفضل صحيفة فيزيائية وقتها، وكانت أبحاث أينشتاين هي المفعول الكهروضوئي، الحركة البراونية، النظرية النسبية الخاصة (والتي تم كتابة المقالات عنها بشكل واسع)، والعلاقة بين الطاقة والمادة، وبهذا تحولت الفيزياء بشكل مثير نحو اتجاه جديد، وفي ورقته الرابعة توصل أينشتاين للمعادلة (E=mc^2) والتي اقترحت إمكانية تحويل الجسيمات الصغيرة من المادة إلى كميات هائلة من الطاقة، وهو ما أنذر ببداية التسليح الذري.

دعم عالم الفيزياء الكمية “ماكس بلانك” تأكيدات أينشتاين، وأصبح بعد ذلك معروفًا في المجال الأكاديمي والفيزياء النظرية، وبعد عمله في مناصب عديدة أصبح مدير معهد “القيصر فيلهم” للفيزياء في الفترة ما بين 1913 – 1933.

النسبية وجائزة نوبل:

أكمل أينشتاين النظرية النسبية العامة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1915 والتي اعتبرها ذروة أبحاثه وكان مقتنعًا بجدارة واستحقاق النظرية النسبية العامة كونها استطاعت التنبؤ بدقة بمدارات الكواكب حول الشمس، وهو ما افتقدته نظرية نيوتن في الجاذبية، حيث كانتا على درجة عالية من الاختلاف حول شرح كيفية عمل قوة الجاذبية، أثبتت المراصد الفلكية والقياسات التي قام بها كل من السير “فرانك دايسون” والسير “آرثر إدنغتون” تأكيدات أينشتاين خلال كسوف للشمس في عام 1919، وهو ما جعل من أينشتاين أيقونة علمية على المستوى العالمي.

فاز أينشتاين بجائزة نوبل في الفيزياء عام 1921، ولكنه لم يتسلّم الجائزة إلّا في العام اللاحق نظرًا للأحكام البيروقراطية، وبالرغم من أنّ أينشتاين تلقى الجائزة على عمله في المفعول الكهروضوئي إلّا أنه اختار التحدث عن النظرية النسبية التي كانت محطًّا للتساؤلات في خطاب تسليم الجائزة.
أثناء عمل أينشتاين على نظريته العامة كان الاعتقاد الشائع حينها بأن الكون ثابت بالرغم من أن معادلاته ناقضت ذلك الاعتقاد وأثبت بأن الكون في حالة توسعٍ.

أضاف الثابت الكوني AKA إلى معادلاته ثمّ استنتج عالم الفلك “إدوين هابل” بأننا نعيش في كون متوسع، حيث التقى العالمان في مرصد فلكي على جبل ويلسون بالقرب من لوس أنجلوس عام 1930.

بينما كان أينشتاين يسافر ويتحدث في المحافل الدولية، كان النازيون بقيادة أدولف هتلر يحظون بأهمية من خلال دعايتهم العنيفة ونقدهم اللاذع للذين أفقروا ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، فأثر الحزب على الكثير من العلماء ليطلقوا على أعمال أينشتاين مُسمّى (فيزياء اليهود)، ومُنِعَ المواطنون اليهوديون من العمل في الجامعات والوظائف المكتبية الأخرى, حتى أينشتاين نفسه أصحب هدفًا لهم.

الانتقال إلى الولايات المتحدة والطاقة الذرية:

تسلّم أينشتاين في عام 1933 منصبًا في “معهد الدراسات المتقدمة في برينستون” بولاية نيوجيرسي الأمريكية، وقضى بقية حياته وأعماله على نظرية الحقل الموحد (هي نظرية تضم القوانين المتعددة للفيزياء).

هاجر علماء آخرون من أوروبا إلى الولايات المتحدة بسبب مخاوفهم من الاستراتيجية المتبعة من قبل النازيين في اختراع الأسلحة الذرية.

كتب أينشتاين مع زميله الفيزيائي “ليو سزيلارد” في عام 1939 رسالة إلى الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت” لتحذيره من قدرات القنبلة المصنعة من قبل النازيين وتنبيه الولايات المتحدة إلى ضرورة تصنيعها لأسلحة نووية خاصة بها، حينها باشرت الإدارة الأمريكية بمشروع مانهاتن ولم يُسلَّم أينشتاين منصبًا في تنفيذ المشروع نظرًا لانتمائه الاجتماعي وسلميته، إضافةً لكونه غير موثوقٍ به من قبل مدير المباحث الفدرالية FBI)) ” إدغار هوفر”.

وبعد فترة قصيرة من عمله في برينستون عبّر عن تقديره للاستحقاق الأمريكي والفرص التي يحظى بها الشعب، وهو ما كان يعتبر تناقضًا كبيرًا منه، حصل مع تقدمه في العمر على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة عام 1935 وبعد سنوات قليلة أصبح مواطنًا أمريكيًا.

عمل خلال الحرب العالمية الثانية على أنظمة الأسلحة في قاعدة للبحرية الأمريكية كما تبرع ماديًا للجيش وذلك بعد تزويدهم بمخططات قُدِّرَت بالملايين.

النشاطات المحلية والعالمية:

بعد ما شهد العالم من القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما اليابانية، أصبح أينشتاين لاعبًا أساسيًا في الجهود الهادفة لخفض استخدام القنبلة الذرية، فأسس مع زميله “سزيلارد” في السنوات اللاحقة لجنة الطوارئ لعلماء الذرة في عام 1947 بواسطة مقال تم نشره في مجلة أتلانتيك الشهرية، وتبنى أعمالاً مع الأمم المتحدة للحفاظ على الأسلحة الذرية كرادعٍ للصراعات.

أصبح عضوًا في الجمعية الوطنية لتحقيق المساواة للناس الملونين، حيث قارن بين المعاملة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا والأفارقة في الولايات المتحدة واعتبرها متشابهة، وتوافق مع الباحث والناشط “و.ي.ب دو بويس” (W.E.B Du Bois) والفنان الاستعراضي “بول روبنسون” ونظم حملة للحقوق المدنية، مُدَّعيًا بأن العنصرية هي وباء في خطاب ألقاه في جامعة لنكولن عام 1946.

تابع بعد انتهاء الحرب العالمية أعماله على نظرية الحقل الموحد والجوانب المفتاحية في نظرية النسبية العامة كالثقوب الدودية، واحتمالية السفر عبر الزمن، ووجود الثقوب السوداء وكيفية نشوء الكون، وأصبح منعزلًا بشدة عن المجتمع العلمي الفيزيائي الذي توجهت أنظاره نحو نظرية الكم.

وفي العقد الأخير من حياته كان يفضل العمل لوحده فانسحب من الأضواء وفضل البقاء في برينستون وغمر نفسه في معالجة الأفكار مع زملائه.

سنواته الأخيرة وإرثه:

أثناء كتابة أينشتاين خطابه لإحياء الذكرى السابعة لإسرائيل في السابع عشر من نيسان (ابريل) عام 1955 تعرض لتمزق في الشريان الأبهر، وعلى إثرها أُسعِف إلى المركز الطبي في جامعة برينستون للعلاج ولكنه رفض العلاج الجراحي، مؤمنًا بأنه عاش حياته وعليه تقبل مصيره، قائلا: “أريد أن أرحل عندما أريد، إطالة الحياة صناعيًا لا طعم لها، لقد قمت بدوري، وحان وقت الرحيل، وسأفعلها بأناقة”. مات أينشتاين في المركز الطبي لجامعة برينستون في صباح الثامن عشر من نيسان عام 1955 بعد أن أتمّ 76 عامًا.

أثناء تشريح الجثة أزال “توماس ستولتز هارفي” دماغ أينشتاين بدون موافقة عائلته لحفظه ودراسته مستقبلًا من قبل الأطباء وعلماء الأعصاب، ثم حُرقَت جثته ونُشِرَ رماده في مكان غير معلوم وذلك عملًا بوصيته، وبعد عقود من دراسة دماغه وُضِع دماغه في المركز الطبي بجامعة برينستون وبقي هناك إلى يومنا.

كُتبَ عدد هائل من الكتب عن حياة الأيقونة الفكرية، ومن ضمنها (أينشتاين: حياته والكون) بقلم “والتر ايسكسن”, و(أينشتاين: السيرة الذاتية) بقلم “جورجين نيف” وكلاهما كُتبا في عام 2007، وتم إلقاء كلمات أينشتاين نفسه في تجمع “العالم كما أراه”.


  • ترجمة: مامند عبدالله
  • تدقيق: داليا المتني
  • المصدر