الإلكترونات في سرعتها القصوى


لقد أصبحت المكونات الإلكترونيّة متزايدة السُّرعة مع مرور الوقت، وبالتالي أصبحت صناعة أجهزة كومبيوتر أو حواسيب قويةٍ وتقنياتٍ أخرى أمرًا ممكنًا. يدرس الآن باحثو المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (EHT Zurich) كيف يمكن التَّحكم بالإلكترونات المندفعة بالمجالات الكهربائيَّة. وتوقعاتهم للمستقبل تتجه نحو إلكترونيات البيتاهرتز.

قد لا تكون السُّرعة هي السِّحر، لكنها الأساس للتقنيات التي غالبًا ما تبدو كالسِّحر. أجهزة الكومبيوتر أو الحواسيب الحديثة على سبيل المثال التي تبدو على هذا القدر من القوّة، بداخلها مُبدلات متناهية الصِّغر توجّه أو توصل التّيارات الكهربائيَّة في أجزاء من المليار من الثّانية.

تدفُّقات البيانات المدهشة للإنترنت من جهة أخرى ممكنةٌ فقط لأنَّ المُغيرات الكهروبصريَّة عالية السُّرعة يُمكنها إرسال المعلومات من خلال كابلات ألياف ضوئيَّة على شكل نبضاتٍ ضوئيَّةٍ قصيرةٍ جدًا. تعمل الدوائر الإلكترونية الحديثة بالفعل بشكل روتيني على ترددات عدة جيجاهيرتز (مليار ذبذبة لكل ثانية) حتى تيراهيرتز (ألف مليار ذبذبة في الثانية).

وبالتالي ينبغي على الجيل القادم من الإلكترونيات أن يصل عاجلًا أم آجلًا إلى عالم البيتاهيرتز، وهو لا يزال أسرع ألف مرة. إذا وكيف يمكن التَّحكم في الإلكترونات بهذه السُّرعة؟

لا يزال أمرًا مجهولًا إلى حدٍّ كبيرٍ، لكن في تجربة رائدةٍ يبحث فريق بقيادة (أورسولا كيلر-Ursula Keller) الأستاذ في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا كيف تتفاعل الإلكترونات مع مجالات البيتاهيرتز.

في تجربتهم عرّض كيلر والباحثون قطعةً صغيرةً جدًا من الماس سُمكها 50 نانومتر فقط لنبضة ليزر من الأشعة تحت الحمراء دامت لبضع فيمتوثانية (أي جزء من مليون مليار من الثانية). المجال الكهربائي لضوء الليزر ذاك، ذو تردد يقدَّر بحوالي نصف بيتاهيرتز، تذبذبت في ذلك الوقت القصير خمس مراتٍ جيئةً وذهابًا وهكذا استثارت الإلكترونات.

بشكلٍ عام يمكن قياس تأثير الحقول الكهربائيَّة على الإلكترونات في موادٍ شفافةٍ بشكل مباشر بواسطة إرسال ضوءٍ من خلال المواد ومن ثمَّ رصد مدى قوة امتصاص المادة له (الضَّوء). في حين أن مثل هذه القياسات سهلة للحقول الكهربائيَّة المستمرَّة، إنَّ الحقول المتذبذبة بسرعةٍ فائقةٍ لشعاع الليزر تُشكِّل تحديًا صعبًا للباحثين.

مبدئيًا الضّوء المُستخدم لقياس الامتصاص ينبغي تشغيله فقط لجزءٍ من فترة ذبذبة واحدة للحقل الكهربائي. وهذا بدوره يعني أنَّ نبضة المجسّ قد تدوم لأقل من فيمتوثانية. علاوة على ذلك، حالة ذبذبة المجال الكهربائي لنبضة الليزر يجب معرفتها بالضّبط عند تشغيل نبضة المجسّ.

العمل التَّحضيري والأساس من عام 1990:

أنجز فريق كيلر الأساس لحلِّ هذه المشكلات بالفعل في أواخر عام 1990. يشرح كيلر قائلًا: «في الوقت الذي كنا أول من استعرض كيف يمكن للحالة التّذبذبيّة لنبضة ليزر من فيمتوثانية أن تثبت بدقة والتي بدورها تكون شرطًا أساسيًا لإنتاج نبضات ليزر من أوتوثانية».

ومنذ ذلك الحين تمَّ تحسين هذه التّقنية واليوم تتيح للباحثين تمييز نبضات الضّوء في الأشعة فوق البنفسجيّة عالية الطاقة، بأطوال موجيّة تقدَّر بحوالي 30 نانومتر، والتي دامت فقط لجزء من الفيمتوثانية وتمّت مزامنتها مع الحالة التّذبذبيّة لنبضة من الأشعة تحت الحمراء.

استخدم باحثو المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في أبحاثهم الجديدة ما يشبه مجموعة مسخّرة من نبضات الليزر لاستثارة الإلكترونات في الماسة ذو حقلٍ كهربائي لنبضة أشعة تحت حمراء، وفي الوقت نفسه لقياس تغيرات الامتصاص النّاتجة لنبضة أشعة فوق بنفسجيّة من أوتوثانية. لاحظوا أنَّ الامتصاص تفاوت على نحوٍ مميزٍ مُتبعًا تواتر الحقل الكهربائي المتذبذب لنبضة الأشعة تحت الحمراء.

لفهم تفاصيل ما جرى داخل الماسة فالمزيد من العمل الكشفي كان ضروريًا. أولاً، حاكى فريقٌ من الباحثين بقيادة (كازوهيرو يابانا -Katsuhiro Yabana) في جامعة تسوكوبا اليابانية بالتعاون مع علماء الفيزياء في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا رد فعل الإلكترونات في الماسة التي تعرضَّت لنبضة أشعة تحت حمراء مستخدمين كمبيوتر أو حاسوب فائق، ووجدوا السلوك نفسه للامتصاص المُقاس في زيوريخ.

وقد شملت تلك المحاكاة التَّفاعل المعقّد بين الإلكترونات والشّبكة البلورية للماسة، والتي أحدثت عددًا هائلًا من حزم أو نطاقات الطّاقة والتي تستيطع الإلكترونات الاستحواذ عليها. يقول (ماتيو وكتشيني- Matteo Lucchini) أحد أعضاء فريق كيلر: «ميزة المحاكاة مقارنة بالتّجربة، أن العديد من التأثيرات التي تحدث في الماسة الحقيقيّة يمكن تشغيلها أو إيقافها، وهكذا في نهاية المطاف كنّا قادرين على أنّ ننسب سلوك الامتصاص المتطابق للماسة إلى اثنين فقط من حزم أو نطاقات الطّاقة».

الحد الأقصى للسرعة في عالم البيتاهيرتز:

لقد كان هذا الإنجاز في النّهاية أمرًا حاسمًا لتفسير البيانات التّجريبيّة. كان الباحثون قادرون على استنتاج أنَّ تأثير فرانز كلديش الديناميكي (الحركي) كان مسؤولًا عن عملية الامتصاص داخل الماسة وهي تحت تأثير نبضة ليزر الأشعة الحمراء.

في حين أنَّ تأثير فرانز كلديش فيما يتعلق بالحقول الكهربائيَّة السّاكنة معروفٌ ومفهومٌ جيدًا منذ سنواتٍ عدة، ولم يتم رصد نظيره الدّيناميكي للحقول المتذبذبة فائقة السُّرعة حتى الآن. وضّح (لوكاس جولمان -Lukas Gallmann) أحد كبار العلماء في مختبر كيلر قائلًا: «الحقيقة أنه لازال بإمكاننا رؤية ذلك التأثير حتى في ترددات استثارة البيتاهيرتز أكدت أنَّ الإلكترونات يمكن أن تتأثر بالحد الأقصى للسرعة لحقل الليزر».

التَّفاعل الدّيناميكي من الفوائد الأساسيّة لأنّه ظهر في نظام لا يهيمن عليه الميكانيكية الكموميّة ولا التّفاعل الكلاسيكي للضّوء والمادَّة. يعني هذا أنَّ نوعين من التَّأثيرات الماديَّة يعلبان معًا دورًا: تلك التي يتصرَّف فيها الضَّوء وكأنّه كمّة طاقة (الفوتونات)، وتلك المُمثل فيها بواسطة حقل كهرومغنطيسي كلاسيكي.

لقد أظهر العمل المنشور الآن أنَّ تفاعل المادَّة مع الحقل البصري يهيمن عليه حركة الإلكترونات في حزمة أو نطاق طاقةٍ مفردةٍ بدلًا من الانتقالات بين الحزم المختلفة. في تجارب مماثلةٍ لم يكن واضحًا حتى الآن ما كان يحدث بالضَّبط، لكن التَّجربة التي تمَّت في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا قد حلّت تلك المسألة.

ربما لا يزال هناك طريقًا طويلًا انطلاقًا من هذه النّقطة حتى إنجاز وتحقيق إلكترونيات البيتاهيرتز، وقد لا تزال الأثار الماديَّة الأخرى تحدُّ من أداء الجهاز. يشير جولمان إلى أنَّ النَّتائج الجديدة وثيقة الصِّلة بالعديد من النَّواحي، مُستعرضًا كما يفعلون أنَّه في مثل هذه الترددات العالية يمكن أن يتم توجيه ونقل الإلكترونات بالحقول الكهربائيَّة.

أضاف وكتشيني قائلاً: «الماس مادّةٌ هامةٌ للغاية يتم استخدامها في العديد من التقنيات بدءًا من الميكانيكيات البصريَّة حتى أجهزة الاستشعار. وبالتالي الفهم المُفصَّل للتفاعل بالحقول الضوئيَّة الذي قد شرحناه الآن كان أمرًا أساسيًا».


ترجمة: نهي سليمان
تدقيق: دعاء عسَّاف
المصدر