بلُّورات الزمن هل يمكن أن تتواجد؟


هل بلُّورات الزمن هي مجرد فضول رياضي، أو فعلًا يمكن تواجدها فيزيائيًا؟ تناقش العلماء حول هذا السؤال منذ عام 2012، عندما اقترح (فرانك ويلكزك- Frank Wilczek) الحاصل على جائزة نوبل لأول مرَّة فكرة بلُّورات الزمن.

حيث جادل في أنَّ الأجسام الافتراضيَّة يمكن أن تعرض حركة دوريَّة، مثل التحرُّك في مدار دائري، في حالتهم المنخفضة من الطاقة، أو «حالتهم الدنيا». ونظريًا، فالأجسام في حالاتها الدنيا لا تملك طاقةً كافية للتحرُّك.

وقد اقترح علماء فيزيائيون آخرون منذ تلك السنوات نقاشات مختلفة حول موضوع لماذا التواجد الفيزيائي لبلُّورات الزمن مستحيل! ومعظم الفيزيائيون فكروا بالمثل بأنَّ تواجد بلُّورات الزمن فيزيائيًا مستحيل بسبب خصائصهم الشاذة.

ورغم ذلك فبلُّورات الزمن لا يمكن استخدامها لتوليد الطاقة المفيدة «حيث أن تحطمهم هذا يجعلهم متوقفين عن الحركة»، كما أنَّها لا تخترق القانون الثاني للترموديناميك، إنما تتعدَّى بشكل أساسي التناظر في قوانين الفيزياء.

وعلى أية حال، يوجد الآن ورقة بحثيَّة جديدة نُشِرت في رسائل المراجع الفيزيائيَّة، مفادها أنَّ الفيزيائيون من جامعة كاليفورنيا، سانتا باربارا «UCSB» ومن شركة مايكروسوفت كيو «يقع مختبر البحث لمايكروسوفت في الحرم الجامعي لجامعة كاليفورنيا» أظهروا بأنَّه من الممكن تواجد بلُّورات الزمن فيزيائيًا.

وركَّز الفيزيائيون على النتيجة لبلُّورات الزمن والتي تبدو أكثر إدهاشًا، حيث تم التنبؤ بها لكسر حالة التناظر الأساسي بشكل آني، والذي يُدعى «التناظر الوقتي». ولفهم ما يعنيه هذا، شرح الباحثون ما معنى كسر التناظر آنيًا.

وقال المؤلف (دومنيك ألس- Dominic Else)، وهو فيزيائي في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربارا لمنظمة الفيزياء: «الاختلاف الحاسم بين كسر التناظر بشكل مباشر وكسر التناظر بشكل آني. فإذا كُسِر نظام التناظر بشكل مباشر، عندها فإنَّ قوانين الطبيعة لا تملك التناظر أبدًا؛ أما كسر التناظر بشكل آني يعني أنَّ قوانين الطبيعة لديها تناظر، لكن الطبيعة تختار حالة عدم التناظر».

وإذا كانت بلُّورات الزمن تُسبِّب كسر التناظر الوقتي بشكل آني بالفعل، عندئذٍ فإنَّ قوانين الطبيعة التي تحكم الوقت لا تتغير مع الزمن، لكن بلُّورات الزمن نفسها ستتغير مع الوقت وهذا يعود لحركتها التي تملك أدنى طاقة «الحالة الأرضيَّة»، مُسبِّبةً كسر التناظر آنيًا.

وعلى الرغم من عدم ملاحظة كسر التناظر الوقتي المباشر، إلا أنَّ معظم الأنواع الأخرى من حالة الكسر المتناظر كانت ملحوظة. وواحد من أكثر الأمثلة الشائعة لحالة الكسر المتناظر تحدث في المغناطيس. فقوانين الطبيعة لا تُحدِّد أي جانب من المغناطيس سيكون القطب الشمالي وأي جانب سيكون القطب الجنوبي.

فالخاصيَّة المميزة لأي مادة مغناطيسيَّة، هي أنَّها تكسر حالة التناظر بشكل آني وتختار جانبًا واحدًا ليكون القطب الشمالي. وهناك مثال آخر وهو البلُّورات العاديَّة. فبالرغم من أنَّ قوانين الطبيعة ثابتة تحت الدوران والانزياح في الفضاء، فهذه البلُّورات تكسر التناظرات الموضعيَّة لأنَّها تبدو مختلفة عندما تُعرض من زوايا مختلفة وعندما تُزاح قليلًا في الفضاء.

وفي دراستهم الجديدة، حدد الفيزيائيون ما تتطلَّبه حالة كسر التناظر الوقتي، وبعدها استخدموا المحاكاة للتنبؤ بأنَّ التناظر المكسور يجب أن يحصل في صنف كبير من النظام الكميّ يُدعى بـ «المكدسات ذات الأنظمة المجسدة». وقد شرح العلماء بأنَّ الميزة المفتاحيَّة لهذه الأنظمة هي أنَّها تبقى بعيدة عن التوازن الحراري في كل الأوقات، لذا هذه الأنظمة لا تسخن.

إنَّ تعريف حالة كسر التناظر الوقتي مُشابِه لتعريف حالات كسر التناظر الأخرى. وبشكل أساسي، عندما يكبر حجم النظام «مثل البلُّورات»، فإنَّ الوقت المُستغرق لحالة كسر التناظر من أجل اضمحلال حالة استمرار التماثل، وفي النظام النهائي فإنَّ حالة استمرار التماثل لا يمكن الوصول إليها. وكنتيجة، التماثل لكافة النظام هو تماثل مكسور.

ومن ناحية أخرى فقد قالت (بيلا بوير- Bella Bauer)، وهي باحثة في محطة مايكروسوفت كيو: «إنَّ مغزى عملنا هو بالغ الأهميَّة، ويوضِّح أنَّ حالة كسر التناظر الوقتي ليست منيعة لأنَّها تكون مكسورة بشكل آني، ويعتمد فهمنا بأنَّ الأنظمة الغير حراريَّة يمكن أن تستقبل عدة حالات من الأمور التي لا يمكن أن توجد في الأنظمة الحراريَّة».

ووفقًا لما توصَّل إليه علماء الفيزياء، فبالإمكان تقديم تجربة لملاحظة حالة كسر التناظر الوقتي عبر استخدام نظام كبير من الذرَّات المحصورة، الأيونات المحصورة، أو عن طريق المكدسات ذات التوصيل الفائق لتصنيع بلُّورات الزمن، وبعدها قياس إلى أي مدى هذه الأنظمة تتطور عبر الزمن. كما تنبأ العلماء بأنَّ هذه الأنظمة ستعرض الحركة الدوريَّة المتذبذبة التي تُميز بلُّورات الزمن وتدلُّنا على حالة كسر التناظر الوقتي بشكل آني.

وقال (شيتان ناياك- Chetan Nayak) من مركز بحوث مايكروسوفت كيو وجامعة كاليفورنيا: «بالتعاون مع مجموعة البحوث التجريبيَّة، نحن نتطلَّع لإمكانية تحقيق البلُّورات رباعيَّة الأبعاد في أنظمة الغازات الذريَّة الباردة».


إعداد: ناجية الأحمد
تدقيق: هبة فارس
المصدر