سوبر نوفا يرفض الموت: قصة ثلاثة انفجارات كونية


لاحظ علماء الفلك في منتصف القرن التاسع عشر أثناء مسح سماء الليل في نصف الكرة الأرضية الجنوبي شيئًا غريبًا: فعلى مدى بضع أعوام سطع إشعاع نجم «إيتا كاريناي» على الرغم من أنه لم يكن واضحًا سابقًا، وأصبح أكثر إشراقًا إلى أن تفوق بإشعاعه على جميع النجوم الأخرى باستثناء سيريوس، قبل أن يتلاشى ضوؤه مرة أخرى في العقد التالي وأصبح خافتًا جدًا إلى درجة أنه لم يعد يرى بالعين المجردة.
ما الذي سبب هذه الفورة؟ هل شهد علماء الفلك في القرن التاسع عشر نوعًا غريبًا من السوبر نوفا، أو انتهاء حياة نجم في انفجار كارثي؟
«ليس تمامًا»، تقول ميغان كيمينكي – الطالبة في مرحلة الدكتوراه في قسم الفلك في جامعة أريزونا، ومرصد ستيوارد – «إيتا كاريناي أو ما نسميه محتال السوبر نوفا، نجم أصبح ساطعًا جدًا وكأن كثيرًا من المواد انفجرت فيه، لكنه ما زال موجودًا.» وفعلًا، بدأ «إيتا كاريناي» في منتصف القرن العشرين بالسطوع مرة أخرى.

ما أعقب «الانفجار الكبير» في منتصف القرن التاسع عشر، وهو ما يمكن رؤيته حاليًا باستخدام تلسكوبات صغيرة، إن كنت في نصف الكرة الجنوبي، جعل «إيتا كاريناي» من مشاهير كائنات الكون المعروفة بجمالها الغريب. إنها سحابة متوهجة على شكل الساعة الرملية يتصاعد منها الغاز والغبار تلف هذا النجم والمرافق له. المعروف باسم السديم القزم، وتتكون من مواد النجم التي ألقى بها إلى الفضاء خلال «الانفجار الكبير،» وتبتعد بسرعة مليوني ميل في الساعة.
وأثناء تحليل صور «إيتا كاريناي» بعناية عن طريق «تلسكوب هابل الفضائي» التابع لوكالة ناسا، فوجئت كيمينكي وفريقها باكتشاف أن فورة «الانفجار الكبير» ليست إلا أحدث حلقة في سلسلة انفجارات كونية واسعة النطاق أطلقها نظام النجم منذ القرن الثالث عشر.
ونشرت مجلة «الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية،» البحث الذي شارك في العمل عليه ناثان سميث، وهو أستاذ مساعد في قسم علم الفلك، وميغان رايتر، التي حصلت على الدكتوراه من القسم ذاته في العام الماضي، وهي الآن زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة ميشيغان.

أشار معدل التوسع في الغاز الذي كان ينتشر بعيدًا خارج النجم القزم إلى أنه كان يسير ببطء، وأنه لا بد أن تم قذفه قبل قرون من ملاحظة سطوعه في القرن التاسع عشر. والواقع أن حركة مواده الخارجية تشير إلى انفجارين منفصلين في منتصف القرن الثالث عشر، ومنتصف القرن السادس عشر.
وكانت محاولة العلماء تجميع ما يمكن أن يجعل نظام أي نجم شبيهًا بنظام «إيتا كاريناي» تشبه عملية الاستنتاجات النمطية في قصة بوليسية.
ويقول سميث «ما زال إيتا كاريناي يربكنا من التقارير الأولى من الانفجار في القرن التاسع عشر إلى أحدث البيانات التي حصلنا عليها باستخدام قدرات متقدمة من التلسكوبات الحديثة. والمشكلة الأهم التي لم تحل بعد هي السبب الكامن وراء اندلاعها، واكتشفنا أنه توجد العديد من الانفجارات السابقة، وما نحاول فعله يشبه إعادة بناء تاريخ ثوران البركان عن طريق اكتشاف تدفقات الحمم البركانية القديمة.»

على الرغم من أن الغاز المتوهج للسديم القزم منع الفلكيين من الحصول على نظرة واضحة على ما بداخله، لكنهم اكتشفوا أن «إيتا كاريناي» هو نظام ثنائي فيه نجمين ضخمين جدًا يدوران حول بعضها البعض كل خمس سنوات ونصف. وكلاهما أكبر بكثير من شمسنا، ويقترب أحدهما على الأقل من نهاية حياته.
وتقول كيمينكي «إنهما نجمان كبيران جدًا، وعلى ما يبدو فهما متقلبان للغاية، حتى عندما لا يتوهجا قبالة السديم، لهما نواة كثيفة ومغلفات رقيقة جدًا. وإذا وضعت أكبرهما مكان شمسنا وهو أكبر بتسعين إلى مئة مرة من كتلة الشمس فسيمتد حتى مدار المريخ.»
وكان سديم القزم هدفًا مشهورًا للأرصاد الفلكية، فمجموعة من ثماني صور، تم التقاطها على مدى العقدين الماضيين عن طريق هابل، تحولت إلى كنز لـكيمينكي وشركائها. وتركز الهدف الأصلي من برامج مراقبة ذلك النظام النجمي، على قياس الحركات الدقيقة للنجوم وانبعاثات بروتوستيلار – هي التيارات السريعة من المادة الخارجة من النجوم الشابة خلال تشكلها – في سديم كارينا، لكن البيانات ذاتها قدمت كوسيلة قوية لقياس حركة الحطام الخارج من إيتا كاريناي.

وتقول كيمينكي «عندما كنت أصفّ الصور اكتشفت أن ترتيب أحد نجمي إيتا كاريناي صعب فنحن نستطيع صف الأجرام التي لا تتحرك فقط، وفكرتُ بدهشة أنه لا بد من أنها تتحرك فعلًا وبعد ذلك قررنا أن نلقي نظرة أقرب.»
بمحاولة صف صور ثنائي السديم، تمكن الفريق من تعقب حركة 800 نقطة من الغاز قذفها إيتا كاريناي عبر الزمن في تاريخ محدد. وأظهرت التحاليل أن سطوع القرن التاسع عشر الملاحظ لا يحكي إلا جزءًا من القصة. فقياس السرعة مع ما يتم طرده من المواد إلى الفضاء يكشف لنا أنه لابد أنهما نتاج انفجارين منفصلين حدثا قبل حوالي 600 و300 سنة قبل «الانفجار الكبير» في القرن التاسع عشر. وأظهرت المواد المنبعثة القديمة أيضًا هندسة مختلفة جدًا للقزم، إذ خرجت تلك المواد من أقطاب النجم وتظهر متماثلة حول محور دورانها.
وتوضح كيمينكي «اكتشفنا أن أحد الانفجارات السابقة كان مماثلًا على نحو مشابه، لكن بزاوية مختلفة تمامًا عن محور الانفجار الكبير، والأكثر غرابة هو أن ذلك الانفجار القديم كان منحرفًا جدًا، مما يوحي بتورط نجمين فيه، لأنه سيكون من المستبعد جدًا لنجم واحد أن يطرد المواد باتجاه واحد فقط وبحركة أمامية.»

على الرغم من الغموض، فإن النتائج التي وصلت إليها الأبحاث عن هذا النظام تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام لعلماء الفلك في محاولة لفهم ما الذي يسبب هذه النوبات المتكررة.
وتقول كيمينكي «لا نعرف حقاً ما يحدث في إيتا كاريناي، لكن معرفتنا أنه سطع ثلاث مرات على الأقل يخبرنا أنه أيا كانت أسباب هذه الانفجارات فهي عملية متكررة، لأنه لن يكون من المرجح أن يحدث كل انفجار بنتيجة آلية مختلفة.»
ويقول سميث «على الرغم من أننا ما زلنا لا نعرف الآلية الفيزيائية التي أدت إلى اندلاع انفجار القرن التاسع عشر، إلا أننا نعرف اليوم أنه ليس حدثًا لمرة واحدة، وهذا يجعل الأمر صعبًا على الفهم، ولكنه أيضًا قطعة أساسية من اللغز لمعرفة كيف تموت النجوم الهائلة، فنجوم مثل إيتا كاريناي تبدو كأنها ترفض الموت بصمت في هدوء الليل.»

تقدم انفجارات إيتا كاريناي رؤى فريدة من نوعها لمراحل حياة لنجم ضخم جدًا غير مستقر. وحدد الباحثون الذين يدرسون السوبر نوفا فئة فرعية من انفجارات السوبر نوفا التي يبدو أنها تعاني فورات عنيفة قبل وقت قصير من انفجارها الأخير. ويلاحظ سميث أن «إيتا كاريناي» قد يكون أقرب مثال لنا على ذلك.
ولأن الضوء يحتاج إلى 7000 سنة ضوئية للسفر من «إيتا كاريناي» إلى الأرض، فإن كثيرًا من الأشياء قد تحدث خلال هذا الوقت، وتقول كيمينكي «إيتا كاريناي انتهى كسوبر نوفا، لكننا لن نعرف هذا إلا بعد 7000 عامًا من اليوم.»


إعداد: مرح فضل مريم
تدقيق أحمد شهم شريف
المصدر