سواءٌ كان في حقيبتك أم بدرج في المنزل أو على مكتب العمل، احتمال كبير أن لديك دواء الباراسيتامول دائما قريبًا منك تحسبًا لحالة صداع أو ألم ظهر.

ما هو الباراسيتامول

الباراسيتامول هو مخفف الألم الدوائي الأكثر استخدامًا في الولايات المتحدة، ويعتبر واحدًا من أكثر الأدوية أمانًا. لكن مؤخرًا، بدأت تساؤلات تطرح حول اعتباره آمنًا.

السيتامول أو الباراسيتامول والذي يعرف أيضًا بالاسيتامينوفين (اسمه في أمريكا) أو APAP))، هو دواء يستخدم لتخفيف الألم الخفيف إلى المتوسط وتخفيف الحمى.

يتواجد ضمن أكثر من 600 من الأدوية التي لا تحتاج لوصفة طبية لشرائها، والتي تحتاج وصفة مثل الفايكودين (Vicodin) والتيلينول (Tylenol).

وفقًا لمنظمة المنتجات الصحية للمستهلك (Consumer Healthcare Products Association) (CHPA)، كل أسبوع تقريبًا 23% من البالغين في أميركا أي ما يقارب 52 مليون أمريكي يستخدم دواءً يحتوي الباراسيتامول.

هل الباراسيتامول آمن؟

في الجرعات التي ينصح بها، يعتبر الباراسيتامول واحدًا من أكثر الأدوية التي لا تحتاج وصفة لشرائها أمانًا.

على عكس مخففات الألم الأخرى مثل مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية NSAIDs))، فإن الباراسيتامول لا يزيد خطر مشاكل المعدة والقلب؛ مما يجعله الدواء المفضل عند الذين لا يتحملون تلك الأدوية.

يعتبر مقدمو الرعاية الصحية أيضًا الباراسيتامول واحدًا من مخففات الألم القليلة التي من الآمن استخدامها خلال الحمل.

حيث وجدت دراسة قام بها مركز التحكم والوقاية من الأمراض Centers for Disease Control and Prevention) (CDC)) أن الباراسيتامول لا يسبب أي زيادة في خطر حدوث التشوهات الولادية الكبرى حين يتم استخدامه في الثلث الأول من الحمل.

لكن ومثل جميع الأدوية هناك مخاطر، ويجد الباحثون أن مخاطر استخدام الباراسيتامول قد تكون أكثر جدية مما ندرك.

ففي العام الماضي، استنتجت مراجعة نشرت في مجلة حوليات الأمراض الرثويةAnnals of the Rheumatic Diseases) ) أن المخاطر الممكنة للباراسيتامول تمّ الاستخفاف بها، حيث أن بعض الدراسات تقترح أن الباراسيتامول من الممكن أن يزيد خطر الحوادث القلبية الوعائية ويزيد معدل الوفيات.

أهم أخطار الباراسيتامول وأضراره

في هذا المقال سنسلط الضوء على بعض المخاطر المثبتة الناتجة عن استعمال الباراسيتامول، وبعض المخاطر التي ربما تكون مفاجأة.

الجرعة المفرطة من الباراسيتامول وتأذّي الكبد

خطر استخدام الباراسيتامول الأكثر شهرة ومعرفة هو الأذية الكبدية، ينتج مثل هذا الأذى من الجرعة المفرطة للدواء. بعد تناول الباراسيتامول، معظم الدواء يستقلب في الكبد ويطرح عن طريق البول.

لكن جزء من الدواء يتحول لمستقلب سامّ يستطيع أن يؤذي الخلايا الكبدية. تناول الكثير من الباراسيتامول يزيد خطر أذية الكبد، وفي الحالات الشديدة قد يؤدي إلى الموت.

وفقاً لهيئة الغذاء والدواء (Food and Drug Administration) (FDA)، فإن الباراسيتامول كان السبب الرئيسي بقصور الكبد الحاد في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين العامين 1998-2003، وتقريبًا نصف حالات قصور الكبد خلال هذه الفترة كانت نتيجة لفرط جرعة من الباراسيتامول حدثت بشكل عرضي غير مقصود.

علاوةً على ذلك، تشير هيئة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن الجرعة المفرطة غير المقصودة من الباراسيتامول خلال تسعينات القرن الماضي كانت مسؤولة عن حوالي 56,000 زيارة لقسم الإسعاف، 26,000 حالة استشفاء (إقامة في المستشفى) و 458 حالة وفاة.

لأن الباراسيتامول متواجد في الكثير من الأدوية التي تباع مع أو بدون وصفة طبية بجرعات مختلفة؛ فمن السهل جدًا تناول جرعة كبيرة جدًا منه، وتحديدًا في حالة استخدام أدوية متعددة تحوي الباراسيتامول.

تنصح الإرشادات الحالية بأخذ ما لا يزيد عن 4,000 ميليغرام أي 4 غرام من الباراسيتامول يوميًا.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحبة الواحدة من دواء التايلينول القوي تحوي 500 ميليغرام، يكون من السهل تصوّر كيف يأخد الشخص بالخطأ جرعة مفرطة من الدواء.

وما هو أكثر من ذلك أيضًا، أن الأذى الكبدي الناتج عن الباراسيتامول يحدث ببطىء ويتطوّر على الأغلب بدون أن يكتشف حتى يفوت الآوان، لذلك ربما يظن الناس أن أخذ أكثر بقليل من الجرعة التي ينصح بها من الباراسيتامول لا يسبّب أي ضرر.

مع وضع هذا في الاعتبار، طلبت هيئة الغذاء والدواء في عام 2011 من مصنعي الأدوية أن يضعوا بشكل طوعي حدًا لكمية الباراسيتامول الموجودة في حبة الدواء أو الكبسولة، على أن لا تزيد عن 325 مليغرام في الواحدة؛ وذلك من أجل تقليل خطر تناول المستهلك لجرعة مفرطة.

ابتداءً من عام 2014، قامت الهيئة بنشر بلاغ ورد فيه أن فقط نصف مصنعي الأدوية قاموا طوعًا بالاستجابة للطلب، حيث قامت بحثّهم للبدء بإجراءات لسحب الموافقة على الوصفات التي تجمع أدوية تحوي أكثر من 350 ميليغرام من الباراسيتامول.

بالإضافة لذلك، نصحت هيئة الغذاء والدواء مقدمي الرعاية الصحية التفكير بوصف مزيج من الأدوية يحوي أقل من 350 ميليغرام من الباراسيتامول في الجرعة الواحدة.

علاقة الباراسيتامول مع تحسس الجلد الشديد وسرطان الدم

قامت عدد من الدراسات بالربط بين استخدام الباراسيتامول وحساسية الجلد الشديدة، وكشف النظام الخاص بهيئة الغذاء والدواء المسؤول عن التبليغ عن الحوادث الجانبية للدواء FDA Adverse Events Reporting System) (FAERS)) أنه في الفترة بين العامين 1969 حتى 2012، حدثت 107 من هذه الحالات في الولايات المتحدة، 67 منها أدّت لحالات استشفاء و 12 حالة أدّت إلى الوفاة.

بناءً على هذا قامت هيئة الغذاء والدواء بإصدار تحذير أن استخدام الباراسيتامول في حالات نادرة قد يؤدي لعدد من التفاعلات الجلدية المميتة مثل متلازمة ستيفن جونسون (Steven-Johnson syndrome) (SJS) و انحلال البشرة النخري السمي(Toxic Epidermal Necrolysis) (TEN) (متلازمتان خطيرتان تتصفان بدرجات متفاوتة من انفصال الجلد، وموت الطبقة العلوية منه).

قال الدكتور شارون هرتز (Sharon Hertz)، وهو نائب مدير قسم التخدير والتسكين والإدمان في هيئة الغذاء والدواء: «الأفعال التي تقوم بها هيئة الغذاء والدواء يجب النظر إليها وفق منظور الملايين الذين استفادوا على مرّ الأجيال من الباراسيتامول»، وأضاف: «ومع ذلك، بالنظر إلى شدة الخطر من المهم أن يكون المرضى ومقدمي الرعاية الصحية على دراية به».

في عام 2011، كشفت دراسة نشرت في مجلة علم الأورام السريري (Journal of Clinical Oncology) عن الرابط ما بين الاستخدام المستمر الاعتيادي للباراسيتامول وازدياد خطر حدوث بعض أنواع سرطان الدم. وجدت الدراسة التي راجعت استخدام مسكن الألم لأكثر من 64,000 شخص من الرجال والنساء ما بين عمر 50-76 عامًا أن الأشخاص الذين استخدموا الباراسيتامول لأربع مرات أو أكثر في الأسبوع تضاعف لديهم خطر حدوث بعض أنواع سرطان الدم مثل الليمفوما واللوكيميا (ابيضاض الدم).

لكن الكاتبة المساعدة في الدراسة ايميلي وايتEmily White) ) من مركز فريد هوتشينسون لأبحاث السرطان Fred Hutchinson Cancer Research)) في سياتل في ولاية واشنطن، أشارت إلى أن الخطر من حدوث هذه السرطانات ما زال ضئيلًا بين مستخدمي الباراسيتامول المعتادين ولمدة طويلة وهو تقريبا 2% خلال فترة 10 سنوات.

التوحد، متلازمة فرط النشاط نقص الانتباه والربو:

على الرغم من أن استخدام الباراسيتامول خلال الحمل يعتبر آمنًا بشكل عام، إلا أن عدد من الدراسات اقترحت أنه قد لا يكون كذلك.
في شهر شباط/فبراير هذا العام، وجدت دراسة أن الحوامل اللواتي استخدمن الباراسيتامول كان لديهن احتمالًا أكبر لإنجاب أطفالٍ تطوّر لديهم الربو بعمر الـ 3 سنوات.

قال الباحثون ومن ضمنهم الدكتورة ماريا ماغنوسMaria Magnus) ) من منظمة الصحة العامة النرويجية في اوسلو أن الاكتشاف يمتلك أهمية على صعيد الصحة العامة، ويكشف الآثار الجانبية المحتملة لاستخدام الباراسيتامول خلال الحمل.

لكنهم يقولون أن هذه النتائج لا تلزم بتغيير الإرشادات الحالية لاستعمال الباراسيتامول خلال الحمل، والتي تشير إلى أن المرآة الحامل يجب أن تستشير الطبيب قبل استعمال الباراسيتامول.

لكن الربو ليس الخطر الوحيد الذي قد ينشأ من استعمال الباراسيتامول خلال الحمل.
ففي بدايات شهر تموز/يوليو من هذا العام، كشفت دراسة الرابط ما بين تعرّض الجنين للباراسيتامول والإصابة بالتوحد ومتلازمة فرط النشاط نقص الانتباه (ADHD).

من خلال تحليل ودراسة أكثر من 2,600 امرأة حامل، وجد الباحثون أن النساء اللواتي استخدمن الباراسيتامول خلال أول 32 أسبوع من الحمل زاد احتمال إنجابهن لوليد سيصاب باضطرابات الانتباه بعمر 15 بمقدار 30% وهذا غالبًا يظهر في الأطفال المصابين بالتوحّد ومتلازمة فرط النشاط نقص الانتباه.

بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون ومن ضمنهم الكاتب المشارك في الدراسة جوردي جولفز Jordi Julves)) من مركز الأبحاث في الوبائيات البيئية (CREAL) في برشلونة، أن الأطفال الذكور الذين تعرّضوا قبل الولادة للباراسيتامول كانوا أكثر عرضة لأن يكون لديهم أعراض سريرية للتوحّد.

قال جولفز أنه يعتقد أن على الأطباء توعية المرضى وخاصة الحوامل بشكل أفضل عن الأخطار المحتملة المرتبطة باستخدام الباراسيتامول: «يجب أن تخبرهم عن احتمالية تطور مشاكل لدى الوليد وأنه يجب عليهم أن يستخدموه بحذر، ربما أخذ أقل جرعة ممكنة وفقط حين تكون ضرورية بشدة».

«يجب علينا أن نعيد النظر بفكرة أن استخدام الباراسيتامول ليس خطرًا»:
الغالبية من مقدمي الرعاية الصحية والباحثين يتفقون على وجود نظرة عامة منتشرة بشكل واسع أن الباراسيتامول هو دواء آمن بشدة، ربما بسبب شعبيته و توافره.

قال جوردي: «أظن أن عامة الناس لا يضعون في اعتبارهم بعناية المخاطر الصحية الممكنة الناجمة عن استعمال الباراسيتامول، مؤخرًا فقط تم إثبات هذه الإمكانية عن طريق الدراسات الوبائية للأمراض.

أظن أنه يجب علينا أن نعيد النظر بفكرة أن استخدام الباراسيتامول ليس خطرًا على الإطلاق».

لكن يجب الإشارة أيضًا أنه في العديد من الحالات تفوق محاسن استخدام الباراسيتامول خطره، وخصوصًا حين يتم تناوله في الجرعات الصحيحة.

كيف تحمي نفسك من أضرار الباراسيتامول

من أجل تقليل المخاطر المحتملة من استعمال الباراسيتامول، قدمت المنظمة الوطنية للصحة (the National Institutes of Health) (NIH) بعض النصائح والإرشادات:

  • لا تتناول أكثر من منتج واحد يحتوي الباراسيتامول في نفس الوقت.
  • تناول الدواء تمامًا كما هو منصوص عليه في ملصق الوصفة أو المنتج.
  • لا تتناول أكثر من 4,000 ميليغرام من الباراسيتامول يوميًا.
  • أبلغ طبيبك إن كنت مصابًا بمرض كبدي أو لديك تاريخًا مرضيًا لأمراض الكبد.
  • تجنب استخدام الباراسيتامول إن كنت تستهلك أكثر من ثلاث مشروبات كحولية كل يوم.
  • في حالة الحمل، استشيري طبيبك قبل تناول الباراسيتامول.
  • إذا ظننت أنك تناولت الكثير من الباراسيتامول اتصل بطبيبك على الفور، حتى لو كنت تشعر أنك بخير.

  • إعداد: سيمون العيد
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • المصدر
  •  Acetaminophen use in pregnancy and neurodevelopment: attention function and autism spectrum symptoms, Jordi Julvez et al., International Journal of Epidemiology, doi: 10.1093/ije/dyw115, published online 28 June 2016.
  • CHPA, Acetaminophen, accessed 27 July 2016.
  •  FDA, Acetaminophen overdose and liver injury – background and options for reducing injury , accessed 27 July 2016.
  • FDA, Acetaminophen prescription combination drug products with more than 325 mg: FDA Statement – Recommendation to discontinue prescribing and dispensing, accessed 27 July 2016.
  • FDA, Acetaminophen prescription products limited to 325 mg per dosage unit: Drug safety communication, accessed 27 July 2016.
  • FDA, FDA warns of rare acetaminophen risk, accessed 27 July 2016.
  • FDA, Prescription drug products containing acetaminophen: Actions to reduce liver injury from unintentional overdose, accessed 27 July 2016.
  • MedlinePlus, Acetaminophen, accessed 27 July 2016.
  • Paracetamol: not as safe as we thought? A systematic literature review of observational studies, Philip G Conaghan et al., Annals of the Rheumatic Diseases, doi:10.1136/annrheumdis-2014-206914, published online 2 March 2016.