تاريخ الجبر


الجبر هو فرعٌ من الرياضيَّات، يتعاملُ مع الرّموز والقواعد التي تتحكَّمُ فيها، في الجبر الابتدائي، تُعبّر هذه الرموز التي تكتب اليوم بالأحرف اللاتينيَّة واليونانيَّة، عن كميَّاتٍ قيمُها غير مُحدَّدة، تُعرَفُ بالمتغيّرات، وتمامًا كما تعبّر الفقرات عن العلاقات بين جُملٍ معيَّنة، تعبّر المعادلات في الجبر عن العلاقة بين المُتغيّرات، لنأخذ المثال التالي:

لدينا حقلان يبلغ مجموع مساحتيهِما 1800 ياردة مربَّعة، تعادل غلّة كلٍّ من الحقلين من الحبوب على التوالي ⅔ غالون و½ غالون عن كلّ ياردة مربَّعة، يزيد إنتاج الحقل الأول عن الحقل الثاني بمقدار 500 غالون، فما هي مساحة كلّ منهما؟
من المعروف أنَّ مسائل كهذه ظهرت من أجل إتعاب الطلبة، قد لا يكون هذا خاطئًا بشكل كامل، طُرحَت هذه المسألة من أجل مُساعدة الطلَّاب في فهم الرياضيَّات، لكن الشيء الذي يميّزها هو عمرها الذي يبلغ 4000 عام، كما يذكر سيسيانو (Sesiano) في كتاب «مقدمة في تاريخ الجبر» وقد استنبطت عن لوح بابليّ يعود إلى عام 1800 قبل الميلاد. ساهم الجبر في تطور العديد من المجالات في بلاد الرَّافدين القديمة، من العلوم إلى التكنولوجيا، والحضارة عمومًا، تغيَّرت لغة الجبر من قومٍ إلى آخر كما تغّيرت كذلك عبرَ الزمن، أمّا اليوم فسنكتبها بهذه الطَّريقة:

X + y = 1,800
⅔∙x – ½∙y = 500

يمثل الحرفان x وy مساحتيّ الحقلين، ويمكن فهم المعادلة الأولى ببساطة؛ مجموع المساحتين يُعطينا 1800 ياردة مربَّعة، أمَّا المعادلة الثانية فأكثر إثارةً للإعجاب. بما أنَّ x هي مساحة الحقل الأول، الذي ينتج ما يعادل ثلثي غالون عن كل ياردة مربَّعة (⅔∙x) ـــ وذلك يعني «ثلثان مضروبة في x» ـــ وهذا يمثل الكميَّة الإجماليّة للحبوب المتحصل عليها من الحقل الأوَّل، وبشكل مماثل، تمثل (½∙y) مجموع الكميَّة المتحصل عليها من الحبوب عن الحقل الثاني، وبما أنَّ غلَّة الحقل الأوَّل أكبر من الثاني بمقدار 500 غالون، الفرق (-) بين إنتاج الحقل الأوَّل (⅔∙x) والحقل الثاني (½∙y) يعادل 500 غالون.

سحرُ الجبر

بلا شكّ، فإنّ قوة الجبر لا تكمن في ترميز بياناتٍ من العالم الماديّ، هذا ما يكتب في صدده عالم الحواسيب والكاتب مارك جايسون دومينوس على مدوَّنته قائلًا: في المرحلة الأولى تقوم بترجمة الإشكاليَّة إلى الجبر، في المرحلة الثانية تتلاعبُ بالرُّموز، وتقريبًا بشكل آلي، يظهر الجواب وكأنَّهُ أمر سحريّ.

سنقوم هنا بحلِّ الإشكاليَّة باستعمال تقنيَّات تدرّس في يومنا هذا، وليس من الضروري أن يفهَم القارئ كلَّ مرحلة من أجل استيعاب أهميَّة التقنيَّة الشاملة، ومجدّدًا، هذا هو الجزء الأوَّل من المعادلة:
X + y = 1,800

سنقوم بحلّ هذه المعادلة عبر طرح (x) من الطرف الآخر لها: (في الأصل هي +x عند تحويل الرَّمز أو العدد من طرف إلى آخر تعكس الإشارة إلى –x في حالتنا)
y = 1,800 – x

نحاول الآن استذكار المعادلة الثانية:
⅔∙x – ½∙y = 500

بما أنَّ y تساوي 1,800 – x من المعادلة الأولى، يمكن تعويضها في المعادلة الثانية كما يلي:
⅔∙x – ½∙(1,800 – x) = 500

بعد ذلك، سوف نقوم بتوزيع العدد السالب –½ على 1,800 – x لتصبح:
⅔∙x + (–½∙1,800) + (–½∙–x) = 500

يمكن تبسيط ذلك إلى ما يلي: (-1800/2=900)
⅔∙x – 900 + ½∙x = 500

الآن سنقوم بجمع كسريّ x معًا، ثم سنقوم بنقل 900 إلى الطرف الآخر (تذكَّر؛ الرمز سيتغيَّر، -900 أصبحت +900 لتكون النتيجة 900+500=1400):
(7/6)∙x = 1,400

لم يتبقى لنا حاليًّا سوى قسمة 1400 على 6/7 (1400×6/7=1200):
x = 1,200

لقد تحصَّلنا على مساحة الحقل الأوَّل وهي 1200 ياردة مربَّعة. الآن سنقوم بعمليَّة بسيطة لإيجاد مساحة الحقل الثاني:
(1,200) + y = 1,800

بتحويل 1200 إلى الطرف الثاني سنحصل على 1800-1200 وهكذا سنجدُ مساحة y التي تمثّلُ الحقل الثاني وهي 600 ياردة مربَّعة:
y = 600

يُمكنك ملاحظة استعمالنا لتقنيَّة إجراء العمليَّات على الطرف الآخر للمعادلة، هذه الممارسة تُفهمُ بشكل أفضل عند تخيّلِ المعادلة على شكل جدولٍ معلوم الحمولة في الجهتين، إذا ما طرحنا أو أضفنا حمولة معيَّنة إلى الطرفين، سيبقى الجدول متوازنًا، وسيبقى كذلك إذا قمنا بعمليَّات الضرب والقسمة بشكل متساوٍ.
إنَّ تقنية إبقاء المعادلات متوازنة كانت مستعملة في كل الحضارات تقريبًا من أجل التحكم في الجبر، واستعمالها في حل الإشكاليَّة البابليَّة (التي قمنا بعرضها) كان أمرًا مركزيًّا في الجبر على مدى 1200 عام مضت.

قبل القرون الوسطى

لقد خضع الجبر إلى عمليَّة إصلاح كبيرة بعد التطور الذي شهدهُ علماء العصر الذهبي الإسلامي. حتى تلك اللَّحظة، مارست الحضارات التي تبنّت الرياضيَّات البابليَّة الجبرَ بتفاصيلَ تدريجيَّة «الأساليب الإجرائية»، كان على الطالب حفظَ عدد صغير من الهويَّات الرياضيَّة، وفن حلّ هذه الإشكاليَّات الذي يتمثل في تحويل كل إشكاليَّة إلى نموذج قياسي مع حساب النتيجة، كما يشرحُ سيسيانو، من جهة أخرى، مارس العلماء من اليونان القديمة والهند لغة رمزيَّة من أجل تعلم نظرية الأعداد.

كتبَ عالم الرياضيَّات والفلك الهندي آريبهاتا (Arybhata) الذي عاش بين الأعوام 476-550 أحد أقدم الكتب المعروفة في الرياضيَّات والفلك، ويُعرف اليوم باسم “الآريابهاتيا”، علمًا أنّ آريبهاتا لم يضع عنوانًا لعملهِ الأصلي. ويمثّلُ الكتاب مقالًا فلكيًّا صغيرًا من 118 قطعةً يمنحُ لنا تلخيصًا للرياضيَّات الهندية في ذلك الوقت، حسبَ ما وضّحته جامعة سانت آندروز، اسكتلندا.

وهذا مثالٌ على كتابات آريبهاتا باللغة السنسكريتيَّة. المقطع 2.24 «الكميَّات من فرُوقها ومنتوجها»:

وحسبَ كريبا شانكار شوكلا في كتابها المعنون “آريابهاتيا آريابهاتا” (الأكاديمية الهنديَّة للعلوم لنيو دلهي، 1976)، يمكنُ ترجمة هذا المقطع تقريبًا إلى ما يلي:

2.24: من أجل تحديد كميَّتين من خلال فرقيهِما ومنتوجَيهِما، اضرب الناتِجَ في أربعة، ثم أضف مربَّع الفرق واطرح مع أخذِ الجذر التربيعي. اكتب هذه النتيجة في شقَّين. زد قيمة الشقّ الأول عبر الفرق، وخفضِ الشقّ الثاني عبر الفرق، اقسم كل شقّ على النصف من أجل الحصول على القيم المطلوبة للكميَّتين.

في التأشير الجبري الحديث، نكتب الفرق والمنتوج بهذه الطريقة:

x – y = A (الفرق)
x∙y = B (المنتوج)
وتُكتب العمليَّة على هذا الشَّكل:
x = [ √(4∙B + A2) + A ]/2
y = [ √(4∙B + A2) – A ]/2

ويُعتبر هذا شكلًا من أشكلًا المعادلة التربيعيَّة، ظهرت قديمًا عمليَّات مشابهة في بلاد الرَّافدين، مُمثّلةً حالة الجبر (وعلاقتها القريبة بالفلك) لمدة تفوق 3500 سنة، عبر عدَّة حضارات: الآشورية خلال القرن العاشر قبل الميلاد؛ الكلدانيَّة خلال القرن السّابع قبل الميلاد، الفارسيَّة خلال القرن السَّادس قبل الميلاد، اليونانيَّة خلال القرن الرَّابع قبل الميلاد، الرومانيَّة خلال القرن الأوَّل قبل الميلاد، الهنديَّة خلال في القرن الخامس ميلادي.

بينما نجدُ أنَّ أصل معظم هذه العمليَّات كان من الهندسة بشكل أساسيّ، يجبُ التنويه على أنَّ النصوص الأصليَّة لمختلف الحضارات لم تتحدَّث تمامًا عن عدد العمليَّات اللّازمة، ولا وجود لأثرِ أيّ مجهود يذكر من أجل إثبات صحَّتها. تعود أولى الكتابات التي اعتنت لهذه الإشكاليَّة إلى القرون الوسطى فحسب.

الجبر في فترة المراهقة

إنَّهُ العصر الإسلاميّ الذهبيّ، من منتصف القرن السَّابع ميلاديّ إلى منتصف القرن الـثالث عشر ميلاديّ، لقد عرفت تلك الفترة انتشارَ الفكر الرياضيّ لليونان والهند في العالم الإسلاميّ. في سنة 820، الخوارزميّ، عضو هيئة تدريس بيت الحكمة في بغداد، قام بنشر عمله الذي حملَ عنوان «الجبر والمقابلة» أو «كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة». ومن ذلك أتت كلمة “الجبر” التي نجدها في الإنجليزيَّة اليوم بنفس الصّيغة «Algebra». كما ابتكر الخوارزمي طرقًا سريعة لضربِ وقسمةِ الأعداد، تعرفُ اليوم باسم اللوغاريتمات، وهو تشويهٌ لاسمه، كما اقترح استعمالِ دائرة صغيرة في الحسابات إذا لم يظهر أي رقم في خانة العشرات، وهكذا اخترع الصّفر.

للمرَّةِ الأولى منذُ نشأته، انزاحَ التركيز في ممارسة الجبر عن تطبيق الأساليب الإجرائية نحو طرق إثبات هذه المناهج باستعمالِ الهندسة وتقنيَّة إجراء عمليَّات على طرفي المعادلة. في هذا الصَّدد، يقول كارل بوير في الطبعة الثالثة من كتاب «تاريخ الرياضيَّات»: لقد ارتأى الخوارزمي ضرورة التعبير هندسيًّا عن حقيقة الإشكاليَّات التي شُرحت بالأرقام.

كتب العلماء المسلمون من القرون الوُسطَى المعادلات في شكلٍ جميلٍ في تقليدٍ يُعرَف اليوم بالجبر البلاغي، وفي الأعوام الثمانمئة اللاحقة، تطوَّر الجبر مع التشكيلة الكبيرة للغات الرمزيَّة والبلاغيَّة لما يُعرفُ بالجبر المُختصَر، وصلَ الإرث الفكريّ الأورو-آسيويّ الذّي ضمَّ الرياضيَّات، علم الفلك والملاحة إلى أوروبا بحلول القرون 11-13 ميلاديّ، بدايةً عبر شبهِ الجزيرة الإيبيريَّة، وهي الأندلس كما يُعرفُ عند العرب، ومن أمثلةِ أبرز الأحداث التي سمحت بنقلِ المعارف إلى أوروبا: الاستيلاء على طليطلة عام 1085، المطالبة باسترجاع صقليَّة عام 1091 من طرف النورمان (بعد الغزو الإسلامي سنة 965)، الحروب الصليبيَّة في بلاد الشَّام بين سنوات 1096 و1303. بالإضافة إلى ذلك، رحلَ العديد من العلماء المسيحيّين إلى بلاد المُسلمين من أجل دراسة العلوم، على غرار قسطنطين الإفريقي (1017-1087)، أديلار الباثي (1080-1152)، ليوناردو فيبوناشي (1170-1250).

فترة نُضجِ الجبر

لم يكن باستطاعتنا التعرُّف على الجبر الرمزيّ ــ الذي شرحناه في بداية المقال ــ حتَّى عصر الثورة العلميَّة، استعمل ريني ديكارت الجبر الذي نعرفهُ اليوم في عملهِ المنشور عام 1637 تحت عنوان “الهندسة”، وكان عملًا رائدًا في تمثيل المعادلات الجبريَّة بيانيًّا. في هذا الصَّدد يقول ليوناردو ملودينوف عن ديكارت في كتابه «نافذة إقليدس»: كان المنهج الهندسي أمرًا حاسمًا في اكتشافاته حتَّى أنه قال: كلُّ فيزياء لا تعدُو كونها سوى هندسة”.


إعداد: وليد سايس
تدقيق: ملك عفونة
المصدر