من منّا لا يستمتع بحضور حفل للشّواء في مثل هذا الصّيف؟ قد يقدم إليك أحدهم حينها طبقًا من اللحم المشويّ أكثر من اللّازم، لكن ربّما عليك أن تفكّر مرّتين قبل أن تبدأ بالأكل!

لا بدّ وأنك قد سمعت في وقت سابق عن أن تناول الطعام المحروق من الممكن أن يتسبّب بحدوث السّرطان، هذه الفكرة سببها بالفعل مادة كيميائية تتشكل عند طهي الطعام تحت درجات عالية من الحرارة تدعى الأكريلاميد (acrylamide)، ولكن على الرغم من مدى معرفتنا بسميّة هذه المادة وقدرتها على إحداث السرطان في شكلها الصناعي؛ إلا أن الرابط ما بين تناولها وإمكانية أن تسبب لنا السرطان لا زال غير واضح.

تعود معرفتنا لخطر مادة الأكريلاميد إلى قصة حدثت منذ عشرين عامًا، عندما كانت مجموعة من العمال الذين يعملون في أحد أنفاق السكك الحديدية التي تقع في سلسة تلال ((Hallandsås في شبه جزيرة (Bjäre) في جنوب السويد.

بدأت تظهر على الأبقار الموجودة في تلك المنطقة أعراض غريبة، كانت تصل إلى الموت في بعض الأحيان، وبعد التحقيق في الموضوع تبيّن أن السبب كان شرب الأبقار من مياه ملوثة بجزيئات من مادة الأكريلاميد.

كان العمال يستخدمون حينها مادة البولي أكريلاميد كمانع للتسرب، وقد كان ذلك في حد ذاته آمنًا تمامًا، ولكن عملية تفاعل البوليمر اللازمة لتشكيله لم تكن تتم بشكل كامل وقتها؛ لذلك كانت هنالك عينات من مادة الأكريلاميد التي كانت تبقى دون تفاعل، وعندها تم إخضاع العاملين لاختبار لمعرفة ما إذا كان لديهم أيضًا مستويات غير آمنة من مادة الأكريلاميد في دمائهم، إلى جانب مجموعة أخرى من الأشخاص الذين لم يتعرضو لمادة الأكريلاميد الصناعي من قبل.

ومع ذلك كانت النتائج مفاجئة، إذ حتى أن أفراد المجموعة الثانية تبين أن لديهم مستويات مرتفعة من مادة الأكريلاميد في دمائهم!

في البداية اعتُقد أن البرغر الذي نتناوله عادة هو مصدر تلك النتيجة التي ظهرت في أفراد المجموعة الثانية، إلى أن تمت ملاحظة وجود كميات مرتفعة من مادة الأكريلاميد في أطعمة أخرى كالقهوة والبطاطس المقلية.

ولكن أصبح واضحًا بعدها أنّ تشكّل مادّة الأكريلاميد في الطعام كان مرتبطًا بالأطعمة الغنية بالكربوهيدرات أكثر منها في الأطعمة الغنية بالبروتين، والأطعمة التي يتم طهيها في درجات حرارة تفوق 120 درجة مئوية أيضًا، أي بشكل عام الطعام المقلي والمشوي والمخبوز، هذا هو ما توضّح من قبل اكتشاف تم مؤخرًا، ولكن هذا يعني أيضًا أن مادة الأكريلاميد تتشكل دائمًا في كل شيء نطبخه تقريبًا!

تتشكل مادة الأكريلاميد بشكل عام من خلال التفاعل الحاصل بين الحمض الأميني (الأسبارجين) وبعض أنواع الكربوهيدرات الطبيعية، كما أنك لن تجد مادة الأكريلاميد في الطعام الطازج غير المطبوخ أو حتى المسلوق، وتعتبر منتجات الألبان واللحوم والأسماك هي الأقل احتمالًا بالنسبة لاحتواها على مادة الأكريلاميد، إذ أنه لا يهم ما إذا كان الطعام عضويًا أم لا؛ بل ما يهم هو نوعية هذا الطعام.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن مادة الأكريلاميد تتشكل عند تدخين التبغ.

ربما قد سمعت من قبل بالقاعدة التي تقول بأنه عليك طهي الطعام حتى يصبح مائلًا للأصفر، لا إلى اللون البني ولا الأسود، وهذا بدوره ما يمنع تشكل مادة الأكريلاميد فيه، إلا أن طهي الأطعمة تحت درجات منخفضة من الحرارة لن يقتل كل البكتيريا الموجودة فيها، وهذا ما سيرفع خطر الإصابة بالتسمم الغذائي.

عندما اكتشف العلماء مادة الأكريلاميد لم يخلصو حينها إلى استنتاج يؤكد ما إذا كانت المادة مسرطنة أم لا في حال وجودها في الأطعمة المطبوخة، وفي بحث أجري في عام 2015 كان قد خلص إلى أن مادة الأكريلاميد لا علاقة لها بالتسبب بالسرطانات المعروفة، ولكنها أوضحت أيضًا وجود ترابط بسيط لا يمكن استبعاده وهو إصابة بعض الناس غير المدخنين بسرطان الكلية وبطانة الرحم وسرطان المبيض.

ولكن بالعودة إلى الشواء، يوجد هنالك أيضًا موادًا كيميائية قد تكون موضع قلق، وهي تقسم إلى فئتين:

الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs) بانصهارها مع عدة حلقات من البنزن كمركبات النفتالين والبنزوبيرين.

المركبات الحلقية غير المتجانسة (HCAs).

الفئة الأولى تتبع للهدروكربونات التي تتشكل عادة من الدهون واللحوم والعصارات التي تنسكب على النار خلال عملية الطهي، أما بالنسبة للفئة الثانية فهي تتشكل أيضًا خلال عملية الطهي من خلال التفاعل الحاصل بين الأحماض الأمينية والسكريات.

وقد أظهرت التجارب على الحيوانات تعرضها لمستويات عالية من المواد الكيميائية المرتبطة بالإصابة بالسرطان، ولكن تلك المستويات التي ظهرت عند الحيوانات كانت أعلى مما هي عند البشر الذين ينتاولون اللحوم.

وتظهر بعض الدراسات بأن اللحوم التي تم حرقها أو قليها أو شيّها مرتبطة بالإصابة ببعض أنواع السرطانات، إلا أن ذلك لم يتم إثباته بشكل واضح بعد.

ولكن إن كنت حقًا قلقًا حيال الأمر، يمكنك تقليل المخاطر المحتملة وذلك عبر طهي الطعام عن طريق المايكرويف بدلًا من اللهب المكشوف، كما يمكنك استهلاك كميات أقل من اللحوم أو استبدالها بالخضار عند الشَّي، ولكن بالطبع لن يكون مذاق الطعام أفضل مما هو عليه عن الشَّي أو الخَبز أو التحميص؛ ذلك لأن الطهي بتلك الطرائق ينتج حينها مواد كثيرة تعمل على تحسين النكهة.

ولكن إذا كان لديك نظامًا غذائيًا صحيًا مع الكثير من الفواكه والخضروات والمواد الغذائية والحبوب الكاملة، تلك المواد التي لا يحوي أي منها مادة الأكريلاميد، فإن الأمور ستكون أسهل بالنسبة لك، ولن تكون مضطرًا للتفكير كثيرًا حيال الموضوع.


  • ترجمة: علي شعبان
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر