توصية بحذف تشخيص المتحولين جنسيا من لائحة الاضطرابات العقلية


أيَّدَت دلائل جديدة جاءَ بِها البَحْث الّذي نَشَرَتهُ صحيفة (The Lancet Psychiatry Journal)، حَذفَ التّحَوُّل الجِنسي مِن لائِحَة الاضطِرابات العَقلِية، كَما صنَّفتها مُنَظَّمة الصِّحة العالميّة للأمراض (ICD). وقَد شمِلَ هذا البَحث الّذي قامَ به مَعهد (Ramón de le Fuente Muñiz) بمدينة مكسيكو، مُقابلةَ 250 مُتَحوِّلاً جِنسيًّا، تَبَيّنَ أنَّ الاضطِراباتَ النّفسيّة لديهَم ليسَت ناجِمَةً عن التَّحوّل الجِنسيّ، بَل عن آثار الرّفضِ الاجتماعي والعنف الّذي يُعرَّضون له بِسَبَبِه. ويُعَدُّ هذا البَحثُ أوَّلَ تجرِبةٍ ميدانيةٍ مِن بَينِ عِدَّة تجارِبَ أُخرى، سَتُجرى لإعادةِ تقييم هؤلاء الأشخاصِ لَدى منظّمةِ الصّحةِ العالمية، وتُعاد نَفس التجربة في كلٍّ مِنَ: البرازيل، وفرنسا، والهند، ولبنان، وجنوب أفريقيا.

يَلعبُ الشّعور بالعار والرَّفض مِن طَرَف المجتمع للمرتبِطَينِ بصِفة الاضطِرابِ العقليِّ وَالهُويّة الجَنْدَريَّة لِلمتحولين جنسيًّا دورًا هامًّا في تكريسِ القانون الجائر وغير المُستقر الّذي يَحكُمُهُم، وكذلك انتهاكات حقوق الإنسان تِجَاهَهُم، كما تَحُولُ العديدُ من الحواجز دونَ توفير رعايةٍ مناسبةٍ لهم بحَسب ما جاءَ على لسانِ البروفيسور جوفري ريد «Geoffrey Reed» من الجامعة الوطنيّة المستقِلّة بالمكسيك، ويساهم تصنيف التّحوّل الجنسيّ كاضطرابٍ عقليّ في إساءَة استخدامِه لِتبرير حِرمانِهم مِن الرّعايةِ الصّحيَّة، واعتبار ضَرورة معالجتِهم من طرف أطبّاء نفسيين، كما يُساءُ استخدامُ هذا التصنيفِ حتَّى مِن قِبَل بَعض الحكومات لحِرمانهم من حقِّ تقرير المصير، والقُدرة على اتّخاذ القرارات في مَسَائلهم الحياتِيّةِ: كَتَغيير الوثائق القانونيّة، أو حضانة الأطفال، أو حتَّى الإنجاب.

وتَرَى رئيسةُ الباحثينَ بالمعهدِ الوطني للطِّبِّ النفسي بالمكسيك، الدكتورة ربيكا روبل «Rebeca Robles» أنَّ نتائجَ البحث تَدعَمُ فكرةَ أنَّ الاضطرابات النفسية والشّعورَ بالعارِ لدى المتحولين جِنسيًّا، ما هي إلَّا نتيجة التّمييز الاجتماعيّ، وسوءِ المعاملة الّتي تَلحَقُهم عِوَضَ الجوانب المتعلقة بهُويّتهم الجندريَّة. وتُضيف: «إنَّ الخطوة التالية هي تأكيدُ هذه النتائج من خلال المزيدِ من الدراسات في مُختلف بلدان العالم، وذلك قَبْل الموافقة على إعادة تقييمِ تصنيف الأمراض من طرف منظمة الصحة العالمية لسنة 2018».

ويُصنَّف حاليًّا التّحوُّلُ الجنسيُّ كاضطرابٍ عقليٍّ وِفقَ اثنينِ من أهمِّ مراجعِ التشخيص في العالم: لائحة منظمة الصحة العالمية للأمراض (ICD-10)، ومَنهج الرّابطة الأمريكيّة للطبّ النفسيّ (DSM-5)، ويُعرفُ الاضطرابُ العقليّ بأنّه خللٌ واعتلالٌ، أو تدهورٌ في الأداء العقليّ، وبالتّالي، يُصبح اعتبار المتحولين جنسيًّا مضطربين عقليًّا أمرًا مثيرًا للجدل بشكل متزايد، وقد أوصى فريقُ عملٍ بمنظمة الصحة العالمية بِعَدَم اعتمادِ هذا التصنيف في الـ(ICD-10)، بل إعادةُ وضعِ الحالة ضِمن فصلٍ جديدٍ مُتعلِّقٍ بالصحة الجنسية.
تمّت هذه الدراسة بالتعاون مع العيادة المتخصصة كونديسا (The Condesa Specialized Clinic)، وهي العيادة المتخصّصة الوحيدة الّتي تُمَولها الدّولة؛ لتقديم الرعاية الصحية للمتحولين جنسيًّا بمدينة مكسيكو، وقابل الباحِثون خلالَها 250 مُتحوِّلاً جِنسيًّا من مُرتادي العيادة، والذين تتراوح أعمارُهم ما بين 18 و65 سنة، مُعظَمُهم تحَوَّلوا إلى نِساء، أي أنهم مُسَجَّلون ذكورًا عند الولادة (80% من المشاركين).
ذكر المشاركون خلال الدراسة أن بداية اكتشافِهم لهُويَّتيهم الجندرية كانت في الغالب ما بين مرحلة الطفولة واليفع (2-17 سنة)، ووَصفوا خلال مقابلاتٍ مُفصَّلة تجاربَهُم مع التنافُر الجنسي في مَرحلةِ المراهقة؛ أي الشّعور بعدمِ الارتياح لدى ظهور الخصائص الجنسية الثانوية لديهم، والتغييرات التي كانوا يقومون بها، والّتي لم تكن تتناسب مع الجنس الّذي ينتمون إليه، ومطالبتهم بالتّعامل معهم وفق الجنس الّذي يرغبون في أن يكونوا عليه. فمثلا، يُغيِّر الذَّكَرُ مظهره الخارجيّ، ليُشبه الأنثى، ويطلبُ من الآخرين التّعامل معه كأنثى، كما حَكَوا عن تجاربهم المتعلِّقة بالعنف النفسيِّ، والاضطهاد والرفض من طرف المجتمع.
معظم المشاركين تعرّضوا لاضطرابات نفسية، أبرَزُها الاكتئاب في مرحلة المراهقة كنتيجة للتنافر الجنسي (83% من 208 مشاركين)، كما سُجلت في أغلبِ الحالات اضطرابات متعلقة بالهُويّة الجندريَّة فيما يخصُّ الأسرة، والمجتمع، والعمل، والمسار الأكاديمي لهؤلاء الأشخاص خلال فترة المراهقة (90% من 226 مشاركًا).
وتعرَّض ثلاثةُ أرباعِ المشاركين للرفض الاجتماعي بسبب التنافر الجنسي، والذي كان صادِرًا، في غالب الأحيان، عن أفراد الأسرة، ثم زملاء المدرسة أو العمل، ثم الأصدقاء (76% من 191 مشاركًا)، كما إنَّ قِسمًا كبيرًا من المشاركين (63% من 157 مشاركًا) كانوا ضحايا لأعمالِ عُنفٍ بسبب هويتهم الجندرية، (نصف الحالات تقريبًا تَعَرَّضت للعُنفِ من قبل أحد أفراد الأسرة)، معظم الحالات المُسجَّلة تَشمَل العنفَ النفسيَّ، والجسديّ، والبعضُ كان عُرضةً للعنف الجنسيّ.
استخدم الباحثون نماذجَ إحصائيَّة لاختبار ما إذا كانت الاضطرابات النّفسيّة تتعلّق بالتنافر الجنسيّ بحدِّ ذاته، أم نتيجًةً للرَّفضِ الاجتماعي والعُنف، وأظهرت النَّتائجُ أنَّ المتغيرات المتعلقةَ بالتنافر الجنسي لم تؤدِّ لأيِّ اضطراباتٍ نفسيّة، ما عدا الّتي تتعلَّقُ بالمدرسة، والعمل، بسبب رغبة المتحولين جنسيًا في أَن يُشَار إليهم بالجنس الّذي يرغبون في أن يكونوا عليه، عوضًا عن جِنسهم الأصليّ، فيما عدا ذلك، فإنّ الرفض الاجتماعيّ، والعنف، هما السّببان الرئيسيّان لأيِّ اضطرابٍ نفسيّ مَرَّ به المتحولون جنسيًّا.
وعلى الرّغم من أنّ الدّراسة شمِلت نماذج كبيرةً نسبيًا من المتحولين جنسيًّا، إلّا أنَّ الباحثين حذَّروا من بعض الأمور؛ فالدراسةُ مثلاً ضّمَّت مشاركين بِشكلٍ تطوُّعيٍّ، وبالتّالي، فإنَّ العيّنات المدروسة لا تمثّل جميع النماذج، كما اعتَمدت تجاربُ المشاركين على تذكرهم للأحداث، وبالتّالي، فقد تكون عُرضَةً للانحياز، وأشار بذلك الباحِثون إلى دراسةٍ مُشابهةٍ قد يكون من الصعب إجراؤها مستقبلًا، بحيث سيتمّ إشراك أطفالٍ للوصول إلى نتائج أكثر دقّة.
للأسفِ، فإنَّ معدل الاضطرابات النفسية المرتبطة بالعنف لَدى المتحولينَ جنسيًّا كان مماثلاً في مختلف البلدان؛ ولهذا ترى الدكتورة روبلز أنَّ هذه الدراسة تبرز الحاجة إلى سياسات وبرامجَ للحدِّ من الوصم والإيذاء لهذه الفئة، وقد يكون حذفُ تشخيصِ المُتحولين جنسيًّا من تصنيف الاضطرابات النفسية نتيجةً مرضيةً للجهود المبذولةِ خلال هذه الدّراسة، وفي تعليقٍ مرتبطٍ بذلك، قال كلٌّ من د. غريت دو كويبير (Griet De Cuypere) من مستشفى غينت الجامعيّ في بلجيكا، ود. سام وينتر (Sam Winter) من جامعة كيرتن في أستراليا:»إنّ دفاع الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان، يجب أن يرفع هذا الشعار: رهاب المتحوّلين جنسيًّا (الترانسفوبيا) هو قضيّة صحّيّة«.
تحُثُّ هذه الدراسة مُقدِّمي الرّعاية ومتخصّصي الصحة النفسية على أن يكونوا متيقّظين لمنحدرٍ يُحَوِّلُ الإيذاء (الوصم) الاجتماعيّ في حقِّ المتحوّلين جنسيًّا إلى مرض، وأن يتعاملوا مع صحتهم العقلية معاملة غير متحيزة، بسبب هُويّتهم الجنسية، كما يرى المُتخصِّصون أنّ الدراسة تَدعو بوضوح إلى إزالة التحوّل الجنسي من قائمة الاضطرابات العقلية في الـ11ICD-، إلا أّنها لا تشير إلى المكان الأنسب لتصنيفه، وإنّ ذلك قد يكون موضوعًا جديدًا لبحثٍ مُستقبليّ.


ترجمة: دانيا الدخيل
تدقيق: بدر الفراك
المصدر