تقنية تمكن الحواسيب من التعلم والتعامل مع المنطق كالبشر


التَّماثُل، هو فهم حالةٍ ما بناءً على مقارنتها بحالةٍ أخرى مشابهةٍ لها. يُستخدم التَّماثُل للتفكير بشكل منطقي وتوليد التَّخمينات حول مجالٍ غير معروفٍ مسبقًا، أو توليد حالةٍ عامةٍ لمجموعةٍ من التَّجارب. يرغب علماء النَّفس بتوضيح الآلية التي بني عليها التَّماثُل من أجل فهم آلية تفكير الإنسان والمنطق المبني عليه. كما أنَّ باحثي الذَّكاء الصّنعي يأملون بمحاكاة عملية التَّماثُل في الحواسيب بهدف إنتاج أنظمة تعليمٍ واستنتاجٍ أكثرَ مرونةٍ. حيث تمكننا دراساتُ محاكاة الإدراك البشري من الفهم العميق للعقل البشري.

يغلق «كين فوربس – Kenneth D. Forbus» الأستاذ في علوم الحاسوب والهندسة الكهربائيَّة من جامعة نورث ويسترن الفجوة بين البشر والآلة. حيث انتهى فوربس ومعاونوه مؤخرًا من تطوير نموذجٍ يمكّن الحواسيب من التَّفكير كالبشر واتخاذ قراراتٍ أخلاقيَّةٍ، وذلك بالاعتماد على نظريات العلوم الإدراكيَّة. دُعي هذا النَّموذج بــ «أداة التَّقابل البنيوي structure-mapping engine» يرمز له بـ «SME»، وهو برنامجٌ لدراسة عملية التَّماثُل، قادرٌ على حل المشكلات المنطقيَّة كالبشر، عن طريق مقاربتها بشكلٍ عفوي للوصول لحلول منطقيّةٍ للمعضلات الأخلاقيَّة.

وكما ذكرنا يقوم هذا النَّموذج أساسًا على نظريَّة التَّقابل البنيوي في التَّماثُل والتَّشابه للعالم النَّفسي «Dedre Gentner»، والذي استخدمت نظريته للشرح والتنبؤ بعدة ظواهر نفسيَّةٍ، ليزوِّدنا بعد ذلك بأداةٍ تمكننا من خلق خوارزمياتٍ تتفقُ مع هذه النَّظريَّة التي تنصُّ على أنَّ التَّماثُل والتَّشابه يعتمد على مقارناتٍ بين تمثيلاتٍ مترابطةٍ، تربطُ بين الكيانات والأفكار. إذ تقوم الفكرة الرَّئيسيَّة من هذه النَّظريَّة على المقارنة بين غرضين ووضع تقابلٍ معرفيٍ بينهما (خارطة) بحيث تكون العلاقات الموجودة بين كائنات الغرض الأول نفسها العلاقات الموجودة بين كائنات الغرض الثَّاني.

يمكن لهذه التَّمثيلات أن تكون معقدةً (تدفُّق الكهرباء كالماء مثلًا) أو بسيطةً (هاتفه الخلوي الجديد يشبه كثيرًا هاتفه الخلوي القديم). فنماذج التَّماثُل في الإصدارات السَّابقة من هذه الأداة، لا يمكنها التَّوسع لتصل لحجم وتعقيد التَّمثيلات التي يميل النّاس لاستخدامها لكن الإصدار الجديد منها يستطيع معالجة الحجم الكبير والتعقيدات الضخمة في التَّمثيلات المترابطة التي تحتاجها عمليات التَّفكير الذِّهني وحل المشاكل والمعضلات الأخلاقيَّة.

تقول «جينتنر، أليس جابرييل توايت – Gentner, Alice Gabrielle» أستاذة العلوم والفنون في كلية وينبرغ في نورث ويسترن: «القدرة على الرَّبط هي المفتاح لإدراك عالٍ، على الرغم من أننا نتشارك هذه القدرة مع عدد قليل من الأنواع الأخرى، إلا أنَّ الإنسان يتفوَّق بشكلٍ كبيرٍ على في القدرة على التَّمثيل والتَّفكير في العلاقات».

العديد من أنظمة الذَّكاء الصّنعي، مثل «AlphaGo» الخاص بغوغل، تعتمد على التَّعلم العميق، وهي العمليَّة التي يقوم بها الحاسوب بفحص كميَّةٍ هائلةٍ من المعلومات. وبشكلٍ معاكسٍ تمامًا للمتوقع، فإنَّ البشر والأنظمة المعتمدة على هذه الأداة غالبًا ما تتعلم بنجاحٍ من خلال أمثلةٍ قليلةٍ جدًا. على سبيل المثال، في عمليات صناعة القرارات الأخلاقيَّة فإنَّ مقدارًا قليلًا من القصص كافٍ لتتمكن الأنظمة المعتمدة على هذه الأداة من تعلُّم كيفيَّة اتخاذِ القرارات كما يفعل البشر في تجاربهم النفسيَّة.

يقول فوربس: «عند مواجهة حالةٍ جديدةٍ، فإن الآلة سوف تحاول استرجاع واحدةٍ من القصص السَّابقةِ، وتبحث عن الأمور المتماثلة، لتتخذ القرار بناءً على ذلك».
واستُخدمت هذه الأداة لتطوير برنامجٍ قادرٍ على حلِّ المشكلات الفيزيائيَّة. كما استخدمت أيضًا لنمذجة العديد من مهام التي تحل المشاكل البصريَّة.
وبهدف تشّجيع البحث في التَّماثُل، قام فريق فوربس بتحرير الرَّماز المصدري لهذه الأداة مع خمسة آلاف مثالٍ، والتي تتضمن مقارناتٍ مستمدةٍ من حلِّ المشاكل البصريَّة وحلِّ المشاكل الكتابيَّة وصناعة القرارات الأخلاقيَّة.

عدد المشاكل التي عولجت بنجاحٍ من قبل الأنظمة المعتمدة على هذه الأداة تقودنا لنتيجة أنَّ التَّماثُل يمكن أن يوصلنا إلى تقنيةٍ جديدةٍ في أنظمة الذَّكاء الصّنعي عن طريق الفهم العميق للإدراك البشري.
فبناء نماذج تتضمن قصصًا وحكاياتٍ تلخص معتقدات ثقافةٍ ما، سيوفر لنا حتمًا أداةً جديدةً في العلوم الاجتماعيَّة.
كما يمكن أن تدخل تقنيَّات الذَّكاء الصّنعي المعتمدة على التَّماثُل في عدة مجالات ومنها الأمن والعناية بالصَّحة والتعليم.
قال فوربس: «بدأ استخدام هذه الأداة في البرمجيات التعليمية، إذ يُزوّد الطُّلاب بتقييماتٍ وملاحظاتٍ من خلال مقارنة عملهم مع الحلول التي يطرحها الأساتذة. وهناك إمكانياتٌ هائلةٌ غير مستغلةٍ لبناء برمجياتٍ خاصة بالتعليم والتي تستخدم التَّماثُل لمساعدة الطلاب في التعلُّم».


إعداد: نغم الماغوط
تدقيق: دعاء عسَّاف
مصدر1، مصدر2