لا بدّ أنك رأيت شخصًا تتورّد خدوده ويلمع وجهه من العرق لمجرد شربه الكحول، فهل ما نراه عند هؤلاء الأشخاص سببه أنّ الكحول مادة ترفع من درجة حرارة الجسم؟

السبب وراء هذا الشعور الغامض بالدفء الذي تشعر به بعد عدّة كؤوس هو الدم، فالعديد من الآثار الجانبية الناتجة عن شرب الكحول ترتبط بخصائصه كموسع أوعية.

يقول تيد سايمون (Ted Simon) وهو عالم أعصاب وخبير سموم في المجلس المختصّ بحالات إدمان المخدرات والكحول: «يسبب الكحول توسّعًا في الأوعية الدموية الموجودة في جلدك، دافعًا بذلك كمية أكبر من الدم من الأعضاء العميقة في الجسم إلى المحيط».

وبحسب موقع (Live Science): «إنّ حرارة جسدك لا تتغير بالفعل، إنّ مايحدث فقط هو إعادة توزيع الحرارة الموجودة أصلًا».

إنّ جسمنا ينتج حرارة تقدر بـ 98 درجة فهرنهايت أي مايعادل 37 درجة مئوية، وأغلب هذه الحرارة سببها العمليات الاستقلابية (وهو مصطلح يشير إلى كل التفاعلات الكيميائية التي تبقيك على قيد الحياة، وذلك تبعًا لما عرّفته الجمعية الأميركية لتطور العلوم American Association for the Advancement of Science).

بما أنّ الجلد يحوي على الكثير من المستقبلات الحسيّة التي تتحسس لتغيرات درجة الحرارة، ستؤدي إعادة توزع الدم الذي يحدث بعد شربك للكحول إلى تشكل الكثير من الرسائل التي تتجه إلى الدماغ على شكل سيالات عصبية لتخبره بارتفاع درجة الحرارة.

قد يبدو ذلك جيدًا، لكنه في الحقيقة بالغ الخطورة، فطبيعة جسدك مصمّمة بحيث تحميك من كل خطر، لنأخذ مثلًا حالات الإصابة بالصقيع أو انخفاض درجة الحرارة، ستتقلص أوعيتك الدموية لتدفع كمية أكبر من الدم إلى أعضائك الحيوية (كالقلب والدماغ)، والكحول يعاكس هذه العملية.

وماذا أيضًا؟

بما أنّ جسدك يعتقد أنّ الجوَّ حار سيبدأ بالتعرق، وهي استجابة مصممة كي تخفّض من درجة حرارة جسمك.

كل هذه التأثيرات المتعلقة بدرجة الحرارة إضافة إلى التأثيرات الإدراكية المعروفة التي يسببها على مستوى الجهاز العصبي المركزي تُرينا بوضوح المضاعفات الخطيرة لشرب الكحول.

وقد جاء في موقع (New York Daily News): «مات طالب ثَمِل بسبب انخفاض درجة حرارته بعد أن حاول المشي 9 أميال إلى بيته في ليلة شديدة البرودة بدون معطف في بريطانيا».

بحسب ما جاء في موقع Syracuse.com)) أيضًا: «مات طالب جامعي آخر من تجمع الأونونداغا في سيراكوس في نيويورك بمطلع هذه السنة بسبب انخفاض درجة حرارته وتسمّمه بالكحول».

وكما نعلم فالكبد عضو هام جدًا تحدث فيه الكثير من التفاعلات الكيميائية التي تخلّصنا من السموم ونواتج أيض المواد التي نستهلكها، حيث تقوم الإنزيمات الموجودة فيه بهضم ما أكلناه وشربناه عند مرور الدم عبره، والكحول تتأيض بواسطة أربعة إنزيمات أساسية هي:

ALDH: ألدهيد ديهيدروجيناز (aldehyde dehydrogenase)
ADH: الكحول ديهيدروجيناز (alcohol dehydrogenase)
سيتوكروم بي450 (cytochrome p450)
والكاتالاز (catalase).

بحسب تقرير أعدّه سمير زاخاري (Samir Zakhari) وهو المدير والمنشئ لقسم التأثيرات الصحية والاستقلاب في المعهد الوطني للكحولية والإسراف في شرب الكحول:

بما أن جيناتك هي التي تشفّر الإنزيمات، ولكل شخص جيناته الفريدة، فسيقوم جسم كلٍّ منّا باستقلاب (الاستقلاب هو الأيض) الكحول بكفاءة مختلفة، والكحول الّتي لا تُهضم أثناء مرورها الأوّليّ في الكبد، ستبقى في مجرى الدّم لديك، وتمرّ إلى كافة أجزاء جسمك.

وبما أن الكحول هي مادة ذات تأثير عام (أي لها الكثير من التأثيرات في مختلف أجهزة الجسم بما في ذلك الدماغ) سيكون لها الكثير من الآثار السيئة على صحتك.

يوضح سايمون: «تُحلّل الكحول عضيّاتك الخلوية، وحالما تتميّع هذه العضيّات يبدأ لديك شعور الثَّمل (السَّكَر)»، لكن حالما يمر الوقت ويُعاد توزيع دمك عبر الكبد مرة وراء الأخرى، سيقوم الكبد بالتخلص من كل الكحول المتبقية بشكلٍ نهائي وعندها ستصحو من سكرك.

تؤثّر العديد من العوامل على تحمّل الأشخاص للكحول وعلى آثارها الجانبية اللاحقة أيضًا، ولكن في النهاية، يؤكد الخبراء أن الكحول لا ترفع من درجة حرارتك.


إعداد: ولاء سليمان
تدقيق: سارة عمّار
تحرير: كنان مرعي
المصدر