ذاك الجرم الذي رافق الإنسانية طوال فترةِ وجودها ولا يزال، واحتل مكانة لابأس بها في قصص البشر و أحلامهم وأساطيرهم وأديانهم وثقافاتهم ولغاتهم ومعتقداتهم على مر العصور…

ماذا لو اختفى عنّا بلمح البصر وبكل هدوء؟ هل سنتأثر بغيابه؟ هل سنلاحظ وهل سنبالي بالحدث ؟

في الحقيقة، بحسب الوضع..

أهم تأثيرات اختفاء القمر

تأثير اختفاء القمر على ظاهرتي المد و الجزر

رسم توضيحي لظاهرتي المد و الجزر.

إن كنتم من محبي رياضة ركوب الأمواج، سيهمكم حتمًا تأثير القمر على البحار.

فماهي تلك الظاهرة؟

تسهيلًا للشرّح، نقول أنَّ قانون نيوتن للجاذبيّة ينصّ على أنّه كلما اقتربنا من جسم ما، كان تأثير قوة جاذبيته علينا أكبر، وكان تأثيره على ما سوانا أقل وذلك بحسب فارق المسافة.

كذلك القمر، رغم كونه يطوف حول الأرض تحت تأثير جاذبيتها إلّا أنّ لجاذبيته تأثير على كوكبنا، حيث يتجلى ذلك خاصةً في تغيُّر علو وانخفاض مستوى مياه المحيطات في بعض المناطق، وهو ما يسمى بظاهرتي المد و الجزر.

على مرِّ الأشهر، يتعرَّض الجانب الأقرب الى القمر لجاذبية إضافية تجعل مياهه تعلو، لينخفض مستوى مياه الجانب المجاور له.

حسنا! هناك مدّ على الجهة المقابلة للقمر، وجزر على المناطق المجاورة، لكن ماذا عن الجانب المعاكس من الكوكب؟

حين يؤثر القمر بجاذبيته على الأرض فإنّ هذه الأخيرة تنجذب نحوه بمقدار ضئيل جدا، تاركة المحيطات وراءها، والنتيجة، مدّ من الجهة المقابلة أيضاً.

اختفاء القمر سيجعل طول اليوم ثابتاً ويوقف التباطؤ

كانت سرعة الأرض حول نفسها أكبر ممّا هي عليه اليوم قبل نشوء القمر من الإصطدام الإفتراضي العنيف الذي قد يكون وقع لكوكبنا بعد تكوّنه، وقدْ كان اليوم آنذاك يدوم حوالي 18 ساعة.

وما جعل الأرض تتباطأ، هو تأثير القمر عليها، كما سبق وذَكرنا في موضوع ظاهرة المد والجزر، فضلا عن علمنا بدوران الأرض حول محورها.

فأحجام المياه المرتفعة لن تتناسب مباشرة وظل القمر على الأرض، بل ستتقدّم عليها قليلا، بفعل الدوران، مايجعل كمًّا كبيرا من المياه يتواجد في غير محلّه، ولأن الجاذبية قوة ذات حدّين، ستجذب تلكَ الكتل المائيّة القمرَ إليْها، لتشده شيئًا فشيئًا وتسرّع من حركته فتأخذه لمدارات أعلى، أي تباعد القمر عن الأرض، لكن لتلك الطاقة المسرّعة للقمر مصدر حتما، ذلك المصدر هو الأرض نفسها، يوما بعد يوم، مليونية بعد مليونية، ستتباطأ الأرض محولة طاقة دورانها إلى مدار القمر.

إن اختفى القمر فهذا لايعني أنّ الأرض سترجع مثلما كانت، لكن اختفاءهُ سيحُدُّ من تواصل هذه الآلية.

هل هذا خبرٌ مفرح أم لا ؟ هنا يبقى الحكم لكم بحسب رغبتكم في طول يوم عملكم.

اختفاء القمر سيثبت الفصول الأربعة

إنَّ ميَلان محور دوران الأرض يعتبر المسؤول الأول عن تكون الفصول.

ولكنْ بوسعه أنْ يتغيَّرَ، وهذا مايحدث لجميع الكواكب، وهو أمر طبيعي، لكنه قد يصبح مقلقا حين يقع بغتةً.

ماذا سيحدث لو أصبح القطب الجنوبي مقابلا للشمس لمدة 24ساعة؟ سيغوص شمال أمريكا و أوروبا في ظلام دامس متواصل، ثم بعد مئات آلاف السنين، ينقلب الأمر.

نحن نستمد انتظام فصولنا من فضل القمر علينا.

هذا النوع من التقلبات المفاجئة ينتج عادة عن بلوغ الإهتزازات الرنينية أو قد تعود الى محاولات فاشلة بالتفاعل مع أجسام بعيدة في نظامنا الشمسي.

مثلًا، لِنتخيّل أنّ يوما ما قام محور الأرض بالميلان نحو اتجاه مخالف للشمس، وفي نفس اللحظة كان كوكب المشتري عالقا في ذلك الإتجاه، فلنتخيل أيضاً حصول ذلك الأمر مراراً، كلّما تصاف المشتري مع محور الأرض تعرّض هذا الأخير الى جذب فائق الصغر، في البداية لن يؤثر على شيء، لكن على مدى ملايين السنين ومع تراكم التأثير ستكون الأرض قد انقلبت كليّا.

هذا بالضبط ما يمنعه القمر، لكبر حجمه وسرعته دورانه حولنا، فإنّ هذا الزخم المتعلق بالزواية، هو من يحمينا من أي تدخل خارجي لتغيير اتّجاه محور دوران كوكبنا.

لو اختفى القمر غداً، ستستمرّ الفصول كما هي عليه الآن، لأنّ مسألة تغيّر اتجاه محور الأرض ظاهرة مليونية لا يمكن ملاحظتها خلال بضع ساعات.

في الختام، غياب القمر لن يؤثر كثيرا في حياتنا على المدى القصير، ولكنّنا سنشتاق حتما لجماله وتزيينه سماءنا.


  • ترجمة: نرجس دواق.
  • تدقيق: منال أبو ترك.
  • تحرير:يمام اليوسف.
  • المصدر