ما هو مصدر الحديد في شمال المحيط الأطلسي؟


علماء يتعقبون مصدر الحديد في المحيط الأطلسي الشمالي الذي يُقدر ببضعة أجزاء من مليون في كل طن: حوالي 70 – 90% منه مصدره تراب الصحراء الكبرى.


قام العلماء بتقييم المصادر المتنوعة للحديد الذائب في المحيط الأطلسي، مرجّحين أنّ نسبةً جيّدةً منه (حوالي 70-90%) آتيةٌ من الأغبرة القادمة من الصحراء الكبرى! يعتبر الحديدُ عنصرًا ضروريًّا لكافة الكائنات الحية، وقد يكون لتواجده ذائبًا في مياه البحر تأثيرًا عميقًا على نموّ العوالق البحرية وبالتالي على دورة الكربون في الطبيعة. “لقد قمتُ مرّة بحسابات رياضية على طُنٍّ من مياه البحر” كما قال سيث جون؛ مساعد البروفيسور في قسم العلوم البحريّة في جامعة جنوب كارولاينا. فيضيف: “إن كميّةَ الحديد الذائبةِ في طنّ كامل من الماء تزن وزن رمش عين واحد! “. ونظرًا لصغر كمية الحديد في مياه البحر؛ قد يظن البعض أن تواجده غير مهم. تخلص أهميّة الحديد في أنه يدخل في تركيب الإنزيمات كالمايوغلوبين والهيموغلوبين وسايتوكروم P450، كما يعد حلقةَ وصلٍ في المكائن الحيوية لخلايا الكائنات الحية. ونُدرَته في المحيطات وينابيع الأرض تؤكد أهميته الفائقة.

“إنّ المفتاحَ الذي يشكل جُلَّ اهتمام الجميع بالحديد هو أنه يحدّد نموّ العوالق البحرية كالطحالب؛ والتي تشكّل خُمس المحيط ” أورَد جون: وهو باحث في مدرسة الأرض، المحيط، والطبيعة / كلية كارولاينا الجنوبية للعلوم والفنون.

تتواجد كثير من الكائنات في المناطق التي تفتقر إلى الحديد عدا العوالق الصغيرة، وتعدّ الطحالبُ أساس السلسلة الغذائية كلها! ولكي تنمو فإنها تحتاج إلى: ضوء الشمس، الكربون، النيتروجين المثبت في التربة، والماء. وقد يُحدِث تغييرًا صغيرًا في كمية الحديد التي تجد طريقَها هناك تأثيرًا كبيرًا على الكائنات ذات التركيب الضوئي ومنافذها المصاحبة لثاني أكسيد الكربون. عند نموّ الطحالب والعوالق الصغيرة الأخرى؛ فإنّها تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتقوم بتحويله إلى بروتينات، وجزيئات أخرى مبنية على الكربون وهي التي تشكل الخلايا الحية. ولكي تبقى هذه العملية قائمة؛ فإنّها تحتاج لكمية صغيرة من الحديد. ترتبط ذرة حديد في الخلايا المثالية بحوالي مليون ذرة كربون كما قال جون، إذن؛ فكمية صغيرة من الحديد تسمح للعوالق الصغيرة بالنموّ وأخذ ثاني أكسيد الكربون من الهواء.

extra_large-1464369592-3613-vast-ancient-river-system-discovered-under-the-sahara-desert

لقد أمضى جون وزملاؤه السنواتَ الماضيةَ بالعمل على هذه التفاصيل، وتمّ ذلك عن طريق جمع عيّناتٍ من ماء المحيط وتطوير طرق تحليلية لتكميم مختلف نظائر الحديد في مياه البحر لتتبع أصل هذا المعدن الذائب.

تنحدر كميات الحديد هذه من مصادرَ مختلفةٍ، وإنّ نسبةَ استقرار نظائر الحديد الطبيعية Fe-56/Fe-54 من هذه المصادر تختلف عن النسبة الموجودة في معادن القشرة الأرضية، ويُعزى ذلك لعدد العمليات الكيميائية التي تغير النسبة عن طريق التفضيل في إنتاج هاتين النظيرتين، وبالتالي؛ فإنّ تغيّرا بسيطًا في هذه النسبة قد يعطي نبذةً عن أصل الحديد المتواجد هناك.

فلنأخذ على سبيل المثال إحدى المصادر، ولتكن الرّواسبَ في قاع المحيط، حيث يخرج الحديدُ تحت ظروفٍ لا هوائيةٍ، وعليه تتم مفاضلة النظير الخفيف Fe54 ليخرج من هناك. ومصدر آخر هو الأغبرة في الغلاف الجوي، حيث يُفاضَلُ نظير الحديد الثقيل Fe56 ليخرج هو من هناك. ومن خلال هذه المعلومات تمكّن الباحثون – ولأوّل مرّةٍ – من تحديد مصادر الذائب في مياه البحر.

من خلال عيناتٍ جمعها جون، تمكنّ من نشر مقال في أخبار الطبيعة حيث قال أنّ أكبر مصدَرٍ للحديد في المحيط الأطلسي أي حوالي 70-90% يأتي من أغبرة تهبّ من الصحراء الكبرى، وتوضح هذه النتائج بدرجةٍ بسيطةٍ عنصرًا حول دورة الكربون.

“قد تساعدنا على فهم التغيرات المناخية في الماضي” قال جون، كما أورَد: “لقد كانت هناك تغييرات على جريان الأغبرة نحو المحيط في العصور الجليدية، وبالتالي؛ فإن فهم آلية قدوم الحديد من هذه الأغبرة في أيامنا هذه قد يساعدنا على تحديد فيما إذا كان متعلّقًا بأطوار العصور الجليدية وما بين الجليدية. لطالما اختلف الناسُ فيما إذا كان المصدر من الأغبرة أو الرّواسب المحيطية، وهذه واحدَةٌ من أوائل الدّراساتِ التي تظهر أن للرواسب دورًا مهما فعلاً في إنتاجه “.


مصدر