فتيات بعمر الثامنة يرتدين حمالة صدر!

ظاهرة جديدة لوحظت لدى فتيات الدول المتقدمة، هي حدوث البلوغ في وقت مبكر عن ذي قبل، فقد أشارت الدراسات الى أن متوسط سن بدء البلوغ لدي الفتيات في وقتنا الحالي هو سن العاشرة، ما يُعد سنًا مبكرة بحوالي خمس سنوات عن سن البلوغ في القرن الماضي.

بينما توجد عدة تفسيرات للأمر، تكشف الأبحاث عن تأثير جانبي مقلق للظاهرة، يبدو أن البلوغ المبكر يزيد من مخاطر الإصابة بالمشاكل الصحية في وقت لاحق من العمر، مثل ارتفاع مخاطر الإصابة بسرطان الثدي وأمراض القلب والاكتئاب، كما قالت جولي بيك ((Julie Beck لصحيفة ((The Atlantic هذا الأسبوع.

بعبارة أخرى، يبدو أن للتغييرات الهرمونية المرتبطة بتحفيز البلوغ المبكر تأثير طويل المدى على المرأة، حتى بعد انتهاء فترة البلوغ بطرق بدأ العالم يتفهمها مؤخرًا. لكن ما الذي يحدث على وجه الدقة من وجهة النظر العلمية؟

لنكن واضحين، فإن بلوغ الفتيات لمرحلة المراهقة الجنسية مبكرًا عن السن المعتاد لدى الجيل السابق ليس بالأمر الجديد، لعدة أعوام، لاحظ الباحثون أن الطمث يحدث لدى الشابات مبكرًا عامًا بعد عام، ففي وقتنا الحالي متوسط العمر الذي يبدأ فيه الطمث لدى الفتيات هو 13 عامًا بالمقارنة مع متوسط عمر 16 أو 17 عامًا لدى الفتيات في القرن الماضي.

بالإضافة لبدء عملية نمو الثدي في وقت مبكر، وهو ما يُعد البداية العلمية للبلوغ. في دراسة مطولة أجريت عام 2013 في الولايات المتحدة، وُجِدَ أن متوسط عمر بدء نمو الثدي لدى الفتيات الأمريكيات ذوات الأصول الإفريقية هو 8.8 عامًا، و بين سن 9.3 و 9.7 عامًا لدى الفتيات من أصول آسيوية أو إسبانية أو قوقازية.

بالنسبة لجميع الفتيات -عدا ذوات الأصول الإفريقية-، فإن هذا الرقم أقل بصورة واضحة عن المتوسط في العقدين الماضيين.

يعتقد الباحثون أن هذا التغيير قد يكون كنتيجة لوباء السمنة، فقد اتضح أن الوزن الزائد يؤثر على وقت حدوث أول طمث للفتاة. لكن تشير الدراسات إلى أن زيادة الوزن لا تُعد تفسيرًا كافيًا لحدوث البلوغ في عمر مبكر لدى الفتيات.

قد يكون التعرض المتزايد للتلوث والمواد الكيميائية المؤثرة على الهرمونات، مثل الفثاليت phthalates))، هو المتسبب في حدوث التغييرات المبكرة، لكن مرة أخرى، لا توضح البيانات المتاحة هذه العلاقة بصورة كاملة.

لكن على الرغم من ذلك، من الواضح أن لهذه التغييرات تأثير بعيد المدى. حيث أظهرت دراسة نُشِرَت في مايو الماضي وتم إجراؤها في هونج كونج على أكثر من 8.327 طفل من مواليد عام 1997، وُجِدَ أن الفتيات اللواتي بدأ نمو الثدي لديهن في مرحلة مبكرة تعرضن لخطر الإصابة بالاكتئاب في سن 12 أو 15 بنسبة أكبر.

«ما وجدناه هو أن الفتيات اللواتي بدأ نمو الثدي لديهن في مرحلة مبكرة ظهرت لديهن مخاطر الإصابة بأعراض الاكتئاب، و زادت الأعراض لديهن»، على حد قول سي ماري شولينج (C. Mary Schooling) الباحثة الرئيسية في هذه الدراسة، بجامعة مدينة نيويورك للصحة العامة. وأضافت: «لكننا لم نجد الأمر عينه لدى الفتيان».

أوضحت الباحثة أن الرابط بين الاكتئاب والبلوغ المبكر كان واضحًا للغاية، حتى بعد التحكم في المتغيرات الأخرى، كالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والوزن والحالة الاجتماعية للأبوين.

كما أظهر البحث العلاقة بين البلوغ المبكر وتزايد مخاطر الإصابة بسرطان الثدي وأمراض القلب والقابلية لتعاطى المخدرات، وحتى جميع أسباب الوفاة التي تعنى بصورة أساسية موت المرأة لأي سبب كان.

نُشِرَت ورقة بحثية عام 2013 في جريدة (Adolescent Health)، حيث وجد الباحث فرانك بيرو ((Frank M. Biro من جامعة سينسيناتي أن الفتيات اللاتي بدأ الحيض لديهن في سن مبكر عن قريناتهن؛ يرتفع خطر تعرضهن للإصابة بسرطان الثدي بنسبه 30%.
«مقابل كل عام يتأخر فيه حدوث الحيض، يقل خطر الإصابة بسرطان الثدي خلال سنوات الخصوبة بنسبة 9%، كما يقل خطر الإصابة به بعد سن اليأس بنسبة 4%»، كما أظهرت الدراسة.

من المهم ملاحظة أن وجود علاقة بين الأمرين لا تعني بالضرورة حدوث الأمر، حتى الآن لا يوجد دليل يربط بين البلوغ المبكر وهذه الأمراض. لكن بصورة واضحة تشير البيانات التي تم جمعها أن الفتيات اللواتي بدأ تطورهن الأنثوي في سن صغيرة يحدث لديهن تغيير، ما يزيد من مخاطر تعرضهن لأمراض أخرى.

يقترح الباحث بيرو أن الأمر قد يكون نتيجة لأن التغييرات الهرمونية المصاحبة للبلوغ تجعل أجسام الفتيات أكثر عرضة للإجهاد. «يُعد البلوغ إحدى صور هذا الإجهاد» كما قال بيرو لمراسلة (NewsWeek) سوزان سكوتي (Susan Scutti) في العام الماضي.

كتبت سكوتي: «على وجه الدقة، فإن نسيج الثدي الذي ما زال ينضج لدى الفتاة، يكون أكثر عرضة لعوامل التلوث البيئي المدمرة، عكس نسيج الثدي لدى المرأة كاملة البلوغ».

قد يرتبط ارتفاع مخاطر الإصابة بالاكتئاب بهذه التغييرات الهرمونية، لكن قد يتم تفسير الأمر كنتيجة لزيادة الضغط وارتفاع الوعي الذاتي والانتباه الجنسي المصاحب للبلوغ المبكر.

«ما نعرفه هو أن حدوث البلوغ مبكرًا أو متأخرًا وأن الاختلاف عن باقي الأقران قد يسبب الضغط لدى بعض الأطفال»، هذا ما أوضحه طبيب الأطفال المتخصص في الغدد الصماء لويس جرينسبان (Louise Greenspan) بجامعتي كاليفورنيا وسان فرانسيسكو، و مؤلف كتاب البلوغ الجديد (The New Puberty) للمراسلة سكوتي.

لا بدّ من إتمام المزيد من العمل بهذا الشأن قبل أن نكون على وعي تام بما يدور في أجساد أولئك الفتيات، لكن كلما تعلمنا المزيد عن أسباب البلوغ المبكر و آثاره؛ كلما تحسنت فرصنا في تجنبه وتوقع مخاطره على المدى الطويل.

لكن باستمرار ظاهرة النضج الجنسي المبكر، تزداد أهمية البحث والدراسة حول هذا الشأن.


  • ترجمة: رحمة قريش
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • المصدر