لكن، إلى مَنْ لا يعرفون منكم، أقول إنه يكاد يكون من المستحيل عليّ أن أنقل في محاضرة هذا الوَجْهَ الهام، هذا الجزء المثير، هذا السبب الحقيقي للعلم.

وبدون تَفَهُّمِ هذا لن يمكنكم إدراك الأمر كله.

أنت لا تستطيع أن تفهم العلمَ وعلاقَتَه بكل شيء آخر إلا إذا فهمتَ وقَدَّرْتَ مغامرةَ زماننا الكبرى.

أنت لا تعيش عصرك إذا لم تفهم أن العلم مغامرة هائلة، وأنه شيء جامح مثير.

هل تراه شيئًا مملا؟ هو ليس كذلك.

يصعب علىَّ كثيرًا أن أعبِّر، لكن، ربما استطعت أن أقدم فكرةً ما عنه.

دعني أبدأ من أي مكان، بأية فكرة.

كان القدامى على سبيل المثال يعتقدون أن الأرض محمولة على ظهر فيل يقف فوق سلحفاة تسبح في بحر بلا قاعٍ.

طبيعي أن ما كان يحمل البحرَ ذاتَه يطرح سؤالا آخر، لم يعرفوا له جوابًا.

كان اعتقاد القدامى هذا نتيجةً للخيال.

كانت فكرة شاعريةً وجميلة.

أنظر إلى طريقة تفسير الأمر الآن.

أهي فكرة مملة؟ الأرض كرة تلف، والناس مربوطون فوقها في كل ناحية، البعض منهم في وضع مقلوب.

ونحن نتقلب كَسفُّود ٍ أمام نار حامية.

نحن نلف حول الشمس.

هذا أكثر رومانسية وأكثر إثارة.

وماذا يربطنا إليها؟ قوة الجاذبية.

وهذه ليست فقط خصيصة للأرض، ولكنها ما يجعل الأرض تدور في المقام الأول، وما يحفظ الشمس متماسكة، ويُبقينا نحن نجري حولها في محاولتنا السرمدية كي نظل بعيدًا.

تحفظ هذه الجاذبية سيطرتها، لا على النجوم وحدها، وإنما أيضًا على ما بين النجوم.

هي تحفظها جميعًا في المجرة الكبرى لأميال وأميال في كل الاتجاهات.

وَصَفَ هذا الكون الكثيرون، وهو لا يزال معنا، بحافته المجهولة كقاع ذلك البحر الذي بلا قاعٍ في الفكرة القديمة – في مثل غموض الصور الشاعرية التي كانت قبلا، في مثل قدرتها على إثارة الذعرـ في مثل نقصانها.

لكن، لاحظ أن جمال الطبيعة أبعد، وأبعد كثيرًا، من خيال الإنسان.

ليس لَمِنْ لم يَحْظَ بملاحظة الطبيعة أن يتصور أبدًا معجزةً مثلها.

أو كالأرض، أو كالزمن.

هل قرأتَ يومًا لأي شاعر شيئًا عن الزمن يمكن أن يقارَنَ بالزمن الحقيقي؟ بزمن عملية التطور الطويلة البطيئة؟ كلا، كلا، لقد أسرعت في الحديث.

في البدء كانت الأرض لا تحمل على ظهرها أية حياة.

ظلت هذه الكرة تلف بلايين السنين، بغروب الشمس، بالأمواج، بالبحار، بالضجة.

لم يكن عليها كائن حي واحد يدرك هذا كله.

أيمكنك أن تتخيل، أن تقدِّر، أن يخطر ببالك، ماذا يعني عالَمٌ كهذا بلا حياة؟ لقد تعودنا أن ننظر إلى عالمنا من وجهة نظر الأحياء فلم يعد في مقدورنا أن نفهم ماذا يعني ألّا تكون ثمة حياة عليها.

ومن المحتمل أن معظم الأماكن بهذا الكون لا تعرف الحياة.

أو الحياة ذاتها.

جميلة ما أجملها تلك الآلية الداخلية للحياة – كيمياء أجزائها.

لقد اتضح أن كل صور الحياة مترابطة مع بعضها بعضًا….


تحرير : رغدة عاصي