من الممكن أنه قد سبق لك وسمعت عن كريسبر (CRISPR) – الأداة المستخدمة “لتحرير” الجينات والتي تتيح للعلماء تطبيق القص واللصق على الحمض الريبوزي النووي ” DNA “، وبالتالي إزالة أشياء مثل فيروس نقص المناعة المكتسب (HIV) والضمور العضلي من خلايانا. والآن، اكتشف العلماء الطريقة التي تمكنهم من القيام أيضًا بالتعديل على الحمض الريبي النووي ” RNA ” وبنفس الفعالية.
إن ” RNA ” هو ابن عم ” DNA ” البيولوجي، وهو المسؤول عن ترجمة الرسائل الآتية من نواة الخلية إلى باقي الخلية، وقدرتنا على التغيير فيه يمكن أن تفتح أبوابًا جديدة في صراعنا مع الأمراض.

وكما هو الحال مع كريسبر/كاس٩ ، بإمكاننا إجراء عمليات تحرير الجينات بانتقائية في ” RNA “، مما يعطينا القدرة في التحكم المجهري على المعلومات الجينية، الأمر الذي قد يتيح لنا إيجاد الطريقة لردع الفيروسات والقضاء على المرض في مهده بحسب ما يراه الباحثون في هذا الموضوع.
يقول أوليفر راكهام (Oliver Rackham) عالم الأحياء في جامعة ويستيرن أستراليا (Western Australia) لكولين باراس (Colin Barras) من نيو سيانتيس (New Scientist)، والذي لم يكن مشاركًا في الدراسة “إن RNA هو المخطط الذي على أساسه تقوم الجينات بتنظيم العمليات الخلوية، والمثير في الأمر في هذه الدراسة أنها تفتح الأبواب الآن على عوالم RNA مقدمة لنا تسهيلات في التصاميم التجريبية التي يوفرها كريسبر”
بينما يحمل DNA الشيفرة الوراثية لأجسامنا، فإن RNA يحمل التعليمات ويعمل على تشغيل هذه الشيفرة الوراثية. فعليًا، يحمل DNA الوصفة ولكن RNA يقرؤها ويشرف على تنفيذها.
وبينما كان العلماء يعتقدون أن RNA مجرد وسيط، فقد أدركوا خلال العقود القليلة الماضية أنه أكثر من هذا بكثير، حيث يمكنه اختيار أنواع البروتينات المصنعة داخل الخلية.
في الواقع، يعتمد جهاز كريسبر/كاس٩ الأساسي أسلوبًا يقوم على استخدام مجموعة من المعلومات المأخوذة من DNA و RNA لاستهداف الفيروسات في الجسم وتحديد الشيفرة الوراثية التي تحتاج إلى استبدال. بيد أنه يركز حتى الآن فقط على DNA .
واليوم، كشف فريق دولي من العلماء بقيادة فينج زهانج (Feng Zhang) من معهد برود (Broad) التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعة هارفرد (Harvard)، كشفوا عن نسخة جديدة من كريسبر وتدعى C2c2، ويمكن استخدامه لتقطيع جزيئات RNA حصرًا.
وتمامًا كما اكتشفت منظومة كريسبر/كاس٩ ، فإن منظومة C2c2 قد تم اكتشافها داخل بكتيريا، حيث تعمل كزوج من المقصّات الجزيئيّة لتقطّع أية أجزاء ممرضة معادية من RNA وذلك من أجل تعطيل الهجوم.
ولكن الفرق يكمن في أن C2c2 يستهدف RNA فقط، وليس DNA بحد ذاته، ما يعني أنه يمكن للعلماء استخدامه في إجراء التغييرات والسيطرة على ما يجري في الخلية دون اللجوء إلى تعديل الشيفرة الوراثية نفسها.
وقد اختبر فريق زهانج تلك المنظومة عن طريق إدخال C2c2 إلى خلية بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli bacteria) وتبين أن لديهم القدرة على استخدامها في تعطيل جين معين من خلال استهداف RNA . حيث باستطاعتهم الهجوم على RNA الذي يحمل التعليمات من ذلك الجين، وإيقاف عمل الجين بنجاح دون المساس ب DNA .
ويقول الباحثون أن C2c2 يجب أن يكون قادرًا على الإضافة على RNA دون الحاجة إلى تقطيعه، مما يتيح للعلماء تتبع تحركات RNA داخل الخلية ومراقبة أثر التغييرات في المعلومات الوراثية على الخلية، أو على كامل أنحاء الجسم.
في حين أن التعديلات المطبقة على DNA تكون دائمة، فإن التعديلات على RNA يمكن أن تحدد بحسب سير العلاج، مما يعطينا فرصاً أكثر في مكافحة الأمراض.

ويقول زهانج “يفتح لنا C2c2 الباب نحو عوالم جديدة لأدوات كريسبر الفعالة. هناك عدد هائل من الاحتمالات التي يقدمها C2c2، ونحن متحمسون لتطويره كي يشكل منصة للبحوث في علوم الحياة والطب”.
في حين تسببت هذه التقنية ببعض الأضرار الجانبية في هذه الدراسة – بعض أعداد RNA المشابهة للجزيئات المستهدفة تأثرت بغير قصد- ما نزال في الأيام الأولى لاستخدامات هذه التقنية، ويقول “راكهام لنيو ساينتست” أن هذه الخاصية في الواقع قد تكون مفيدة في بعض العلاجات.
يقول باراس في تقاريره “في علاج السرطان على سبيل المثال، فإن إزالة RNA المشابه غير المؤثر بالإضافة إلى RNA المستهدف يمكن أن يعطي نتائج أكثر فعالية في محاربة الورم”.
إنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها العلماء باستهداف RNA بدلًا من DNA في تقنيات التعديلات الجينية، ولكن الفرق في أن C2c2 يستخدم نهجًا أكثر طبيعية وأكثر تنوعًا، ويمكن أن يتيح مجالًا من الاستخدامات المختلفة. نحن متشوقون لمعرفة ما سيفعله العلماء بهذه التقنية.
إعداد: ريم أبو شعر
تدقيق: عمار ياسر
المصدر