بعد عشرين عامًا على تطبيق إصلاح قانون السلاح وبرنامج إعادة شراء الأسلحة، شهدت أستراليا تراجعًا متسارعًا في معدلات الوفيات الناجمة عن حوادث إطلاق النار المتعمدة، وانعدامًا لحوادث إطلاق النار الجماعي المميتة. انعدمت عمليات إطلاق النار الجماعي خلال العقدين المنصرمين من الزمن مقارنةً بـ13 عملية إطلاق نار جماعي خلال السنوات الثمانية عشرة التي سبقت الإصلاح الشامل لقانون السلاح، على حد قول القائم على الدراسة البروفسور سيمون تشابمان (Simon Chapman). ونُشِرَت هذه الدراسة في دورية الرابطة الطبية الأميركية (Journal of the American Medical Association).

مهدت عمليات إطلاق النار الجماعي الطريق نحو إصلاحٍ غير مسبوق لقانون السلاح في أستراليا. ففي شهر أبريل من سنة 1996، أقدم رجلٌ في مدينة بورت آرثر الأسترالية على إطلاق النار مستخدمًا اثنتين من البنادق الشبه أوتوماتيكية، مخلفًا 35 قتيلًا و 19 جريحًا. وفي شهر حزيران من نفس السنة، قامت الحكومة الاتحادية الأسترالية بتشريع قوانين تحظر البنادق الطويلة التي تمتاز بسرعة الطلقات، وامتد الحظر ليشمل هذا الأسلحة وإن كان مملوكًا بشكلٍ شخصي قبل تشريع القانون، لغرض الحد من توافر هذا النوع من السلاح ولمنع استخدامه في مثل هذه حوادث. وتم تطبيق هذه القوانين بالتدريج في جميع الولايات والأقاليم في الفترة الممتدة من حزيران 1996 إلى آب سنة 1998.

علاوةً على ذلك، وفي عام 1997، شرعت الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بتنفيذ برنامج إلزامي لإعادة شراء الأسلحة النارية المحظورة بنفس سعر السوق. وتم فرض عقوبات شديدة بما فيها السجن والغرامات الباهظة لكل من ثبت حيازته لأيٍ من هذه الأسلحة المحظورة السالفة الذكر. وشهد عام 2003 تطبيق برنامج لإعادة شراء المسدسات، وتنازل الآلاف من مالكي الأسلحة طوعًا عن أسلحة غير محظورة ودون تعويض نظير ذلك، بحيث بلغ مجموع الأسلحة النارية المملوكة للأفراد والتي تم تسليمها أو ضبطها حوالي مليون قطعة سلاح.

أبرز النتائج:

باستثناء منفذ العملية، يعتبر حادث إطلاق النار جماعيًا متى ما سقط خمسة قتلى أو أكثر كنتجةً لهذا الحادث. وبلغ مجموع ضحايا عمليات إطلاق النار خلال الفترة الممتدة من 1979 إلى 1996 حوالي 104 ضحية، بينما بلغ مجموع الجرحى 52 جريحًا، سقطوا نتيجةً لثلاثة عشر اعتداء توزعت على سني تلك الفترة. وانعدمت مثل تلك الحوادث منذ سنة 1996.
وتراجعت أعداد الوفيات الناجمة عن هذه الحوادث في أستراليا بمعدل 3% سنويًا في الفترة الممتدة من سنة 1979 إلى 1996، بينما تسارع هذا التراجع بشكلٍ ملحوظ في متوسط الوفيات ليصل إلى 5% سنويًا منذ سنة 1996. وشهدت هذه الفترة شهدت تراجعًا متسارعًا ملحوظًا لحوادث الانتحار باستخدام الأسلحة النارية، بينما سجلت حوادث القتل باستخدام هذه الأسلحة تسارعًا أقل وتيرةً بهذا الصدد.
تفحص الباحثون إجمالي جميع مسببات القتل، وجميع البيانات الخاصة بطرق الانتحار، وذلك لتقييم ما إذا كان الانخفاض في إمكانية الوصول للسلاح الناري يحد أو يمنع اللجوء للطرق البديلة القاتلة الأخرى، كالسكاكين، أو الشنق بالحبل كوسائل لتنفيذ الانتحار أو جريمة القتل.

بالنسبة للوسائل الأخرى غير السلاح الناري:

ارتفع المتوسط السنوي لجرائم القتل وعمليات الانتحار الإجمالية باستخدام هذه الوسائل ليصل 2.1% سنويًا للفترة الممتدة من 1979 إلى 1996. واستمر تراجع هذا المتوسط السنوي لجرائم القتل والانتحار باستخدام هذه الوسائل ليصل إلى 1.4 سنويًا منذ سنة 1996 وما بعدها. إذ تدعم هذه البيانات الاستنتاج القائل بانعدام البدائل لاستخدام الوسائل القاتلة الأخرى في عمليات الانتحار وجرائم القتل. ويزعم المعارضون لفرض إجراءات للصحة العامة للحد من إمكانية توافر الأسلحة النارية قائلين: «باستطاعة القتلة الوصول لوسيلةٍ أخرى لتنفيذ جرائمهم»، وهو زعم بدون دليل، إذ تظهر دراستنا العكس، أي: لا يوجد دليل يثبت لجوء القتلة لطرق ووسائل أخرى، والأمر نفسه ينطبق بالنسبة لعمليات الانتحار وفقًا لما صرح به فيلب آلبرز (Philip Alpers)، المحرّر المشارك في الدراسة.
وختامًا، قام الباحثون بمقارنة التغيرات الحاصلة في الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية وتلك الناجمة عن وسائل الأخرى وكذلك الانتحار، قبل وبعد تطبيق إصلاحات قانون السلاح، لتقييم ما إذا كان التغيّر المرصود في الوفيات يُعزى إلى تلك الإصلاحات. ففي حين ازداد التراجع السريع في الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية للفترة الممتدة بين سنة 1997 إلى 2003، فقد حصل تراجع متسارع بشكلٍ أكبر في إجمالي الوفيات الناجمة عن الانتحار وجرائم القتل باستخدام الوسائل الأخرى غير الأسلحة النارية، ولذلك، يتعذر تحديد ما إذا كان ذلك التغيّر في وفيات الأسلحة النارية عائدًا لإصلاحات قانون السلاح. ويعلق البروفسور مايك جونز (Mike Jones) من جامعة ماكواير بالقول: «هناك نتيجتان رئيسيتان خَلُصَت إليهما هذه الدراسة: الأولى: انعدام عمليات إطلاق النار الجماعية بعد عشرين عامًا من تمرير قوانين الرقابة على الأسلحة، رغم أن معدلها كان بواقع عمليتين كل ثلاث سنوات قبل ذلك. أما النتيجة الثانية: فهي أن التسارع في تراجع الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية أو الوسائل ذات العلاقة يعني بأننا أنقذنا حياة المزيد من الأشخاص». ويعلق البروفسور سيمون تشابمان أيضًا بقوله: «أظهرت التجربة الأسترالية وجود علاقة بين حظر الأسلحة النارية التي تمتاز بسرعة طلقاتها والانخفاض في عمليات إطلاق النار الجماعية والوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية. وفي سياق وقتنا الحاضر، توفر لنا هذه النتائج مثالًا على إمكانية الحد من الوفيات الناجمة عن الأسلحة، في حال توافر الدعم الشعبي والشجاعة السياسية لدى البلدان الأخرى».

ترجمة: علي حميد
تدقيق: دانه أبو فرحة

المصدر
رابط الدراسة