قد يستغرب البعض من مدى شيوع الأصدقاء الوهميين عند الأطفال، حيث أنّ ثُلُثَي الأطفال يبتكرونهم خاصّة بين سنّ الثالثة والثامنة، بل إنّ هناكَ حالاتٍ مسجلةً لمُراهقين لديهم صحبةٌ وهميةٌ إمّا مسترجعةٌ من مرحلة الطفولة أو مبتكرةٌ في مرحلة المراهقة بالدرجة الأولى.

وقلقُ بعضِ الأهالي حيالَ هذا الموضوع قد يدفع الأطفالَ الى إنكارهم وجود هذا النوع من الأصدقاء.

لكنْ لم يَعُد مفهومُ امتلاك الصغار لأصدقاءَ وهميين مرتبطًا بالعجز الاجتماعي أو الأمراض الذهنية، بل يعتقد الباحثون أنّه بمقدورهم أنْ يقدموا لنا صورةً موجزةً عن هذه العملية التطوّرية النّفسية لدى الأطفال.

بدأ اهتمام «مارجوري تايلور-Marjorie Taylor» الباحثةِ في مجال علم النّفس التنموي بموضوع الرفقاء الوهميين بعد حضورها لمحاضرة ألقاها «بول هاريس- Paul Harris» الأستاذ والطبيب النفسي في جامعة هارفارد، مناقشًا دراسةً أَخضعَ فيها أطفالًا لتجربةٍ بسيطة، حيثُ قدّم لهم صندوقًا فارغًا وطلب منهم أن يتخيلوا وجودَ وحشٍ بداخله، وعلى الرّغم مِن أنّ الأطفالَ كلَّهم قد رأوا بأنفسهم أنّ الصندوقَ كان فارغًا، إلّا أنّ جُزءًا منهم كان خائفًا فعلًا من الاقتراب من الصندوق.

تعرّفت تايلور خلالَ فترةِ بحثِها على أصدقاءَ وهميين بأشكالٍ متعددة، منها من يطير ومنها من يعيش على القمر ومنها من يتنفس لهبًا والكثير الكثير.

تقول تيلور: «في كلّ مرة تسألُ طفلًا عمّا إذا كان لديه صديقًا وهميًا ويردّ بالإيجاب، يجب أن تكبحَ نفسك عن الضحك أو أن تسأل أسئلة استدراجية، فأنت لا تعلم ما تحمله الدقيقة المقبلة من مفاجآت».

و تقول «آنسلي غيلبن-Ansley Gilpin » طبيبة نفسية في مختبر جامعة ألاباما للمعرفة بالتنمية: «إنّ علاقة الأطفال بأصدقائهم الخياليين هي انعكاس لمفهومهم عن الانفعالية والاستقلال الذاتي»، فهي خليط بين المشاعر الإيجابية والسلبية تمامًا كما العلاقات الحقيقية.

وعلى الرّغم من مدى تشابه علاقة الطفل بصديقه هذا مع العلاقات الحقيقة، إلّا أنّ الأطفال يدركون تمامًا أنّها علاقةٌ وهمية، فكانت تلاحظ تايلور أثناء مقابلاتها مع الأطفال إشارتهم لهذه النقطة، كأنْ تقولَ الطفلة: كما تعلمين إنّها مجرد فتاة صغيرة خيالية.

وباعتبار أنّ الأطفال اليوم يحتكّون بشخصياتٍ رقميةٍ بشكلٍ متزايد، قامت تايلور حديثًا بالتعاون مع «ناعومي أغوير- Naomi Aguiar» إحدى طالباتها المتخرجات، بسبر تفاعل الأطفال الاجتماعي مع شخصيات على شاشات رقمية أو من عالم افتراضي مقارنة بالدمى، فوجدت أنّ الأطفالَ يرون الشخصياتِ الرقميةَ كوسيلةٍ للتسلية بينَما كانوا يُكنّونَ مشاعرَ حقيقيةً تِجاهَ الدمى الملموسة (بعض الأطفال يُسقطون مفهوم الصداقة الوهمية على دمى أو مجسمات ملموسة، وتجدرُ الإشارةُ الى أنّ بعض الباحثين لا يتفقون مع إدراج هذه الملموسات تحت مسمّى الأصدقاء الوهميين).

وعلى عكس ما قد يعتقده البعض، فإنّ وجودَ أصدقاءَ وهميين لدى الطفل لا يعنى أنّه استثنائي الذكاء، فكما ذكرت تايلور في كتابها الذي صدر عامَ 1999م بعنوان «الأصحاب الوهميون والأطفال الذين يبتكرونهم»، كتبت تايلور: «إنّ غياب الأصدقاءِ الوهميين لدى الطفل لا يعكس شيئًا عن قدراته الذهنية».

تنشأ فروقاتٌ بسيطةٌ ذاتُ دلالاتٍ إحصائيةٍ بينَ الأطفال الذين يمتلكون والذين لا يمتلكون أصدقاءَ وهميين، وهي فروقات إيجابية، تقول تايلور موضحةً: «الأطفال ذَوُو الأصدقاءِ الوهميين هم أقل خجلًا من غيرهم، ولديهم مخزونٌ لغويٌّ أوسع، وأكثرُ قدرةً على فهم منظور الآخرين».

وعلى الرّغم من متانة علاقة الطفل مع صديقه الوهميّ، فإنّ الكثير من الأطفال بعد تقدّمهم بالعمر، لا يتذكرون أصدقاءهم الوهميين أو أنهم حتى امتلكوا واحدًا ذات مرّة، قد يحدث ذلك بعد عامين من خلق الصديق الوهمي.

ومع ذلك، قد يظلّ للطريقة التي ابتكروا فيها صديقًا وهميًا وأسلوبِ تعاملهم معه أثرًا باقيًا، والأستاذة في علم النفس بكلية وليسلي -Wellesley College «تريسي غليسون-Tracy Gleason» تقول: «فحتى الكبار يركنون الى القدرة على الانتقال من الواقع وزيارة أماكنَ وأزمنةٍ مختلفة في أذهانهم».

تأتي استجابةُ الأهل متراوحةً بين تشجيع الطفل كنوع من حثّه على الإبداع والابتكار، وبين ردعه لاعتبارهم أنها نوعٌ من خلق الأكاذيب، وفي كلتا الحالتين هي تعتمد على خلفية الأهل وثقافتهم.

ولكن حتى في حال تشجيع الأهل له فلابد من وضع حدود، تقول غليسون: «فبدلًا من تقديم الطعام للصديق الوهمي على المائدة مثلًا، يمكن للأهل إخبار الطفل أنّ الصديق الوهميَّ لديه طعام وهميٌّ أيضًا».


  • إعداد: آية ملص.
  • تدقيق: عبدالسلام الطائي.
  • حرير: عيسى هزيم.

المصدر