إن كنتَ واحدًا مِنَ الذين يقضونَ الساعاتَ الطِّوالَ وراء مكاتِبِهم، فهذا يعني أنَّك لا تحصل على ما يكفيكَ مِنَ التمارينَ الرياضيَّةِ، وبالتالي فإنَّ نتائجَ هذا الحرمانِ بيِّنَةٌ على صَحَّتِكَ وجَسَدِك، وبالتأكيد فإنَّك لا تريدُ أن يكونَ مظهَرُكَ غيرَ صحيٍّ ولكنَّ الحياةَ تجري والحاجةُ إلى اكتسابِ عادةٍ جديدةٍ ماسَّةٌ، فهل من الممكن أن يفيدَكَ تحريكُ رجليك تحت مكتَبِك؟!

ما بين هذه السطور ما يفيدُكَ حتمًا، فلنتابع معًا!

توصَّلت دراسةٌ جديدةٌ قامَ بها عالِمُ «فيزيولوجيا التمرين» (exercise physiologist) «مارتن غيبالا» (Martin Gibala) من جامعة «مكماستر» (McMaster) إلى أنَّ دقيقةً واحدةً من التمرينِ الرياضي المكثَّفِ هي كلُّ ما نحتاجُه لنحصلَ على نفسِ الفائدةِ التي نجنيها من تمرينٍ معتدلٍ لمدَّةِ خمسٍ وأربعين دقيقة!

ولكن كيفَ يمكنُ أن يحدثَ ذلك؟!

يقول «غيبالا» (Gibala) موضِّحًا : «تشكِّلُ هذه الاستراتيجيَّة استغلالاً فائقَ الفعاليَّة للوقت حيثُ وجدنا أنَّ التمارينَ الرياضيَّةَ قصيرةَ المدةِ المكثَّقةَ فعَّالةٌ بشكلٍ ملحوظ».

كيف جَرَت هذه الدراسة؟

بدايةً، تحذيرٌ ولفتُ نظرٍ هام : «دقيقةُ تمرينٍ مكثَّفٍ لا تعني أبدًا أنَّ مدَّةَ تمرُّنِنا ستكون ستين ثانيةً تمامًا، فالروتين مع ما يتضمّنُه من إحماءٍ وإرخاء سيغترقُ عشرَ دقائق، ولكنَّها عشرُ دقائق فعليَّة وعشر دقائق فقط، وكُلُّ واحدٍ مِنَّا يملكُ عشرَ دقائق».

ضمَّت هذه الدراسةُ مجموعتين :

المجموعةُ الأولى تتضمَّنُ سبعة وعشرين رجلًا لا يتمرَّنون عادةً ولكنَّهم قاموا بالتمرينِ من أجل الدراسة بمعدَّل ثلاث جلساتٍ أسبوعيَّة لمدَّة اثني عشر أسبوعًا.

وقد قسِّمت هذه المجموعةُ إلى قسمين : قسمٌ أُسنِدَ إليه أن يقومَ بثلاثِ جلساتٍ أسبوعيِّةٍ من التمرينِ المعتدل (مدَّة كل جلسة خمس وأربعين دقيقة) والقسم الثاني أُسنِد إليه أن يقومَ بثلاث جلساتٍ أسبوعيَّةٍ من التمرين المكثَّف (موضوع الدراسة).

أمَّا المجموعةُ الثانيةُ فكانت مجموعة ضبط(control group) وهي لا تتمرَّن مطلقًا؛ وهذا النوع من المجموعات يُستَخدَم عادةً في الدراساتِ العلميةِ بهدف مقارنةِ النتائجِ والوصولِ عبرها إلى استنتاجاتٍ واقعيَّة.

مجريات الدراسة :

أُعلمت مجموعةُ التمرين المكثف بكيفية أداء «تمرين العدو المتقطع» (Sprint Interval Training – SIT)، والذي يتضمن دقيقتين من الاحماء على الدراجة، تليها ثلاث عدوات دائرية مدَّة كلٍّ منها عشرون ثانية، وبعدها تمارين إرخاء مدتها ثلاث دقائق، وأخيرًا تمارين قيادة الدراجة السهلة لِمُدَّة دقيقتين (فيكون المجموع ثمان دقائق).

وكان على مجموعة التمرين المعتدل أن تقودَ الدراجةَ لمدة خمس وأربعين دقيقةٍ متواصلةٍ ثلاث مرات في الأسبوع.

تحليل النتائج :

قامَ العلماءُ باختبار المؤشراتِ الصحيةِ الرئيسةِ في كل المجموعاتِ على امتدادِ التجربةِ، بما فيها «اللياقة القلبية التنفسية» (Cardiorespiratory Fitness) و«الحساسية للأنسولين» (Insulin Sensitivity) (وتحدِّدُ الحساسيَّةُ للأنسولين جودةَ تنظيمِ الجسمِ لمستوياتِ سكَّرِ الدَّم).

الاستنتاجات :

خَلُصَت هذه الدراسةُ إلى أنَّه وبالرغم من أنَّ مجموعةَ التمرينِ المعتدل قد تمرنَّت خمس مرات أكثر من مجموعةِ التمرينِ المكثَّف (SIT) (إذا أخذنا الوقت في عين الاعتبار)، فإنَّ الفوائدَ الصحيَّة المجنيَّة متشابهةٌ بقوَّةٍ (remarkably similar) لدى هاتين المجموعتين.

ويقول غيبالا : «يتذرَّعُ معظمُ النَّاسِ بضيقِ الوَقتِ كَسَببٍ رئيسٍ لعدم كونهم نشيطين، ولكنَّ دراستَنا قد أظهرت أنَّ النَّهجَ القائمَ على الفواصلِ الزمنيةِ قد يكونُ أكثرَ فعالية، وهذا يعني أنَّه بإمكانك الحصول على ذاتِ فوائدِ الصحةِ واللياقةِ المرجوَّة من التمارين التقليديَّةِ ولكن بزمنٍ أقل».

نُشِرت هذه النتائج في مجلة (Plos One)، وتجدُر الاشارة إلى أنَّ سبعةَ وعشرين رجلاً ليسوا بالعيِّنة الكبيرة ولكنَّ هذه العيِّنةَ تعكسُ ما تشيرُ إليه الأبحاثَ المتزايدةَ في هذا المجال.

وللذهاب بعيداً في هذا الخصوص، نذكرُ أنَّ الأبحاثَ الاخيرةَ تؤكِّدُ أنَّ تمارينَ المسافاتِ الطويلةِ والتحملِ ربما تحمل في طياتها فوائدَ محدودةً للانسان العادي.

ففي الوقت الذي أظهرت فيه الدراساتُ أنَّ التمارينَ المنتظمةَ قد تضيفُ ست سنواتٍ إلى حياتنا، فإنَّ هذه الفائدةَ قد تختفي لمجرَّدِ تجاوزِ ثماني وأربعين كليومترًا (48 كم أي ما يعادل 30ميل) أسبوعيًّا.

وهذا ما أشار إليه الباحثُ «ماتيو ميينتكا» (Matthew Mientka) في تقريره لمجلَّةِ (Medical Daily) حيثُ أعلن أنَّه من الممكنِ أن تخمدَ تحسيناتُ ضغطِ الدمِ ومستوياتِ الكوليسترول وصحة القلب – على الأقل بشكل جزئي- بسبب التأثيراتِ السلبية التي يمكن أن تنتج عن فرطِ التمرين.

ومِنَ المعلومِ أنَّ تمارينَ التحمِّل تشكِّلُ مصدرَ تخوّفٍ وقلقٍ سيَّما عند مرضى القلبِ ذوي النبض غير الطبيعي.

ويقول «جون ماندرولا» (John Mandrola) (وهو عالم فيزيولوجيا كهربائيَّة) في هذا الخصوص: «لا أريدُ لأحدٍ أن يستنتِجَ أنَّ التمارينَ قد تكونُ مضرةً له، فبعضُ النَّاسِ يمارسون أطنانًا من التمارين ويكونون محميين أمامها، وفي المقابل فإنَّ مجموعةً أخرى من الناس ربما تكونُ لديهم بعض الحساسية الفردية للتمارين».

ويضيف قائلًا: «أنا شديدُ الايمانِ بالفتراتِ القصيرةِ ذاتِ الكَثَافَةِ العَالِيَةِ».

نستنتجُ إذًا أنَّ استهلاكَ وقتنا بشكلٍ ذكيٍّ له منافع وفيرة، فبدل أن نتمرَّن لخمس وأربعين دقيقة ثلاث مرات أسبوعيًّا، فإنَّه يمكننا اعتماد التمرين المكثَّف خلال وقتٍ قصيرٍ نسبيًّا مع جني الفوائدِ الصحيَّةِ ذاتها، فهيَّا لنجرِّبَ ونحكم!