إذا كنت تصدق أعمال الخيال العلمي، فإن الثقوب السوداء تمثل بوابات إلى عوالم أخرى، سواء كانت تلك العوالم أجزاءً بعيدة من هذا الكون، أو أكوانًا مختلفة كليًأ. لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيدًا من ذلك…

وخارج عالم الخيال العلمي، فإن الوقوع في ثقب أسود فكرة سيئة.

مع ذلك، تبين أن من يدخل ثقبًا أسود قد يكون عنده على الأقل فرصة ضئيلة للنجاة، إما عائدًا إلى عالمه، أو إلى مكانٍ غريب.

هذا لأن الثقوب السوداء تقوم بليّ المكان نفسه، و بذلك تقرب، بشكلٍ كبير، النقاط التي تكون عادةً بعيدة عن بعضها.

لتوضيح الفكرة، سنستعمل التشبيه الذي يستخدم عادةً: ليّ قطعة من الورق.

إذا رسمت خطًا على الورقة، سيتبع الخط شكل الورقة ولن يتغير طوله بطيّها، لكن إذا قمت باختراق الورقة، فإن نهايتي الخط المرسوم عندها ستكونان أقرب بكثير لبعضهما البعض.

الإفلات من قبضة ثقبٍ أسود

من المهم أن نفهم أن الثقب الأسود ليس فضاءً فارغًا، بل مكانًا أقحمت فيه كميات هائلة من المادة في منطقة ضئيلة تدعى نقطة التفرد singularity، وهي نقطة لا متناهية الصغر والكثافة.

(لا يزال هناك بعض النقاش بين العلماء حول هذه النقطة، سنرى ذلك لاحقًا)

عندما يقترب المرء من الثقب الأسود، فإن سرعة الإفلات -السرعة المطلوبة للإفلات من جاذبية الثقب الأسود- ترتفع.

وفي نقطة معينة، تصبح سرعة الافلات أكبر من سرعة الضوء، أي أكثر من 299,792 كم في الثانية. لنضع ذلك في سياقٍ مفهوم، فإن سرعة الإفلات من جاذبية الأرض هي 40,270 كم في الساعة عند السطح.

وبما أن تجاوز سرعة الضوء غير ممكن، فهذا يعني أن لاشيء يمكنه الفرار من قبضة الثقب الأسود.

لكن هناك منفذ: الثقب الأسود لا يقوم بامتصاص كل شيءٍ حوله مثل مكنسة كهربائية أو مصرف حوض الاستحمام، فقوة الثقوب السوداء لا تطول خارج أفق الحدث event horizon، والذي تمتد حدوده من مركز الثقب الأسود إلى النقطة التي لا يمكن لأي شيء أن يفلت منها.

تتمدد هذه الحدود كلما وقع المزيد من المادة في مجال الثقب الأسود. ربما كان من الأفضل تخيل الثقب الأسود على أنه كرة يسمح سطحها بدخول المادة، لكن لا يسمح بخروجها.

ما يوجد بداخل هذا السطح هو أحد أكبر الألغاز في الفيزياء الفلكية.

تذكر أن معظم العلماء يعتقدون أن الثقب الأسود عبارة عن نقطة تفرد.

كل المادة المتبقية من الجسم الذي شكّل الثقب الأسود من الأساس (نجم، مثلًا) تُضغط في نقطة لها كثافة لا متناهية.

إذا كنت سيء الحظ بما يكفي لتقع في ثقبٍ أسود، يمكن وصف ما سيحدث لك بأن جسمك سيتمدد لتصبح مثل السباغيتي من قبل القوى المدية tidal forces، ثم سيتم سحقك في العدم.

ستقوم المادة المكونة لجسمك بعدها بزيادة نصف قطر أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود.

في نهاية المطاف سيتم بثّك على شكل إشعاعات هوكيننغ Hawking radiation، فحسابات عالم الفيزياء ستيفين هوكينغ تظهر أن الثقوب السوداء تطلق الفوتونات، وبفعلها لذلك، تخسر الثقوب السوداء بعض الكتلة، لأنه وفق معادلة آينشتاين الشهيرة، E=mc^2

فإن الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة، لذا فإن الثقوب السوداء تتبخر في النهاية لكنك ستكون مضطرًا للانتظار مطولًا قبل حدوث ذلك.

ثقبٌ أسود بكتلة الشمس ــ بالمعايير الكونية، ذلك ثقبٌ صغيرــ يتطلب 10^87 سنة ليتبخر ويتحول إلى انفجار من أشعة غاما، بينما عمر الكون 14 مليار سنة، أو 1.4 ضرب 10^9 سنة.

تجدر الإشارة إلى أنه لا يزال هناك الكثير من الجدل في الوسط العلمي حول الفترة الزمنية التي يستغرقها تبخر الثقب الأسود، لأن إشعاع هوكينغ لا يحفظ أي معلومات حول المادة التي وقعت في الثقب الأسود في المقام الأول.

لكن طبيعة الحال أن البث على شكل اشعاع ليس مصيرًا جيدًا.

ماذا عن الثقوب الدودية؟

قد تكون هناك طريقة أخرى للخروج من الثقب الأسود: الجاذبية تقوم بحني المكان.

(تخيّل معي مصارع سومو يتدحرج على مفرش، محدثًا انحناءًا في المفرش بفعل وزنه).

أي جسم يشكل “بئر جاذبية” خاص به. هذا البئر يزداد عمقه بالاتجاه إلى مركز الجسم.

الكوكب على سبيل المثال، يمتلك بئر جاذبية لكن بالاتجاه إلى مركز الكوكب، نرى أن بئر الجاذبية يصبح مسطحًا. وكما في المفرش، فإن أي جسمٍ عادي سيكون له بئر على شكل انخفاض بعمقٍ محدود.

الثقوب السوداء لا تتصرف كالأجسام العادية، على أي حال… ربما لحسن حظك.

فانحناء المكان يستمر بالازدياد والازدياد حتى يصل إلى نقطة التفرد في مركز الثقب الأسود، حيث يكون الانحناء لا منتهيًا.

بدل الانخفاض، سيكون لديك حفرة تزداد حوافها انحدارًا بالاتجاه نحو المركز، حتى تصبح عمودية ويصبح شكل المكان كثغرة ممطوطة.

يستعمل العلماء نظرية آينشتاين في النسبية لوصف الانحناء في المكان، لكن معادلات آينشتاين تبدأ بالانهيار أمام نقاط تفرد الثقوب السوداء.

نقاط التفرد هذه فائقة الصغر، لذا يجب أن ترى هناك تأثيرات ميكانيكيا الكم. لكن لا أحد يستطع حتى اليوم إيجاد طريقة تمكننا من التوفيق بين النظرية الميكانيكية الكموموية والجاذبية، لتسعادنا على تكهن شكل نقطة التفرد.

يزداد الأمر غرابة عندما تعرف أن الثقوب السوداء ليست ساكنة.

نحن نعرف أن أي جسمٍ في الفضاء يميل إلى الدوران حول نفسه؛ وهذا يعني أن نقطة التفرد من الممكن إذا دارت بسرعة كافية أن تصبح حلقة وليس نقطة.

حلقة التفرد من الممكن أن تشكل مدخلًا إلى أكوانٍ أخرى، لذا يمكن للثقوب السوداء أن تكّون ثقبًا دوديًا بوابةً عبر الزمكان.

هذه الفكرة مثيرة للاهتمام، لأنه عندما يكون لديك نقطة تفرد، بغض النظر عن كيفية سفرك، سيكون مستقبلك وقدرك في نقطة التفرد، إذا كنت بداخل أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود.

لكن من الممكن أن تتصرف حلقة التفرد بشكل مختلف، فالجزء الذي ضغطك حتى أصبحت عدمًا ليس من الضرورة أن يكون في مستقبلك، بسبب الطرق الغريبة التي قد تحني بها حلقة التفرد الزمان والمكان.

على أي حال، مفهوم كون حلقة التفرد على أنها بوابة هو أمر بعيد كل البعد عن كونه مؤكدًا. أولًا لا نعرف كيف يمكن لحلقة التفرد أن توجد.

المشكلة الأخرى هي أنه كلما حاول أحد ما إجراء الحسابات الرياضية لثقب دودي من صنع ثقبٍ أسود، واجهته مشكلة في إبقاء البوابة مستقرة.

يقول روبرت مكنيس Robert McNees الأستاذ المعاون في الفيزياء في جامعة لويولا في جامعة شيكاغو: “في الواقع لا تزال الثقوب الدودية تعتبر غير مستقرة مقارنة بأي شيء يمكن أن نعتبره مادة عادية”.

الأعمال السابقة لباحثين آخرين تظهر أن الطريقة الوحيدة الممكنة لإنشاء ثقبٍ دوديّ هي أن تتعامل مع ما يسمى بالمادة الغريبة exotic matter وهي مادة ذات كتلة سلبية. لكن لا يوجد فكرة واضحة حول ما سيعنيه ذلك.

وهذا ما يطرح المشكلة الأهم: على الرغم من أن معظم العلماء يقولون أن الثقوب السوداء من الممكن أن تكون ثقوبًا دودية، “فإنه بدون نظرية توفق بين الكمومية والجاذبية يبقى إيجاد إجابات واضحة على هكذا أسئلة أمرًا صعبًا” وفق مكنيس.

المشكلة الأخرى هي أنه لم يتم رصد أشياء تنبع من العدم، وهذا ما كان من المتوقع حدوثه في حال كانت الثقوب السوداء بوابات إلى عوالم أخرى.

ففي النهاية، لابد لشيءٍ أن يعبر هذه البوابات، ولو صدفة.

هناك حتى مجموعة من النظريات التي تقترح أن الثقوب السوداء تؤسس أكوانًا أخرى، مسببة انفجاراتٍ عظيمة، لكن هذه الفكرة لا تزال محط كثيرٍ من الجدل.

و أخيرًا، السفر عبر الزمن هو أحد متضمنات كون الثقوب السوداء بوابات إلى عوالم أخرى. ولكن كيف ذلك؟

حسنًا، بسبب النسبية، لا توجد لحظة آنية موحدة في كل مكانٍ في الكون.

الانتقال الفوري من النقطة أ إلى النقطة ب في أي مكانٍ في الكون سيتضمن أيضًا السفر عبر الزمن، وقد ينتهي بك المطاف بأن تصل إلى نقطة ما قبل أن تغادر النقطة الأولى أصلًا.

يقول ستيفين هوكينغ بما أنه لا أحد يرى مسافرين عبر الزمن اليوم، يبدو من غير المرجح أن السفر عبر الزمن ممكنٌ في كوننا، و هذا ما يشير إلى كون الثقوب السوداء غير مجدية كمولدات ثقوبٍ دودية.

على الرغم من إمكانية كون الثقوب السوداء بواباتٍ إلى عوالم أخرى، فمن المرجح أنها ليست كذلك.


المصدر