اللاعقلانية في طريقة تفكيرنا لطالما تحيّر بها علم النفس. عندما يسألنا أحدهم: “كيف حالك؟” عادةً ما نجيب “بخير”، لكن عندما يعيد أحدهم السؤال ويخص حدث محدد –مثلاً كيف كان الاجتماع مع المدير- فجأة تتحول “بخير” إلى ردود تتفاوت بين “سيء جداً” أو “ممتاز”.

في عدة جمل قليلة نتناقض مع أنفسنا، نحن “بخير” ولكن نشعر بسوء من الاجتماع بنفس الوقت. كيف يمكن أن نكون بخير إذاً؟ الانحيازوالخبرة والمعرفة والسياق تتحد كلها معاً من وعي أو بدون وعي لتكون الدافع وراء كل قرار نأخذه أو شعور نعبر عنه، فالسلوك البشري صعب التوقع، ونظرية الاحتمالات كثيراً ما تفشل في تنبؤاتها عنه.

الدخول في الإدراك الكمومي:

حدد فريق من الباحثين أنه بينما خياراتنا ومعتقداتنا ليست منطقية أحياناً ولا تتبع نمط محدد على المستوى الكبير، ولكن يمكن على المستوى الكمي التنبؤ بها بدقة مفاجئة. في الفيزياء الكمية، ملاحظة حالة جسيم يغير من حالته فإن “تأثير الملاحظة” يؤثر على طريقة تفكيرنا في الموضوع الذي نفكر فيه.

في مثال الاجتماع، لو سألك أحدهم “هل مر الاجتماع على خير؟” نفكر مباشرةً في كيف حدث فعلاً، لكن إن سألنا نفس الشخص “هل كنت متوتر بسبب الاجتماع؟” ربما نتذكر كم كان مرعباً تقديم العرض التوضيحي أمام المجموعة. المفهوم الآخر المستعار في “الوعي الكمي” هو أنه يمكن أن يكون لدينا أفكار متناقضة في عقلنا في نفس الوقت. يمكننا القول أن اتخاذ القرار وتشكيل الآراء يشبهان كثيراً مفارقة قطة شرودنجر (تجربة العالم النمساوي إيروين شرودنجر على قطة وضعها في صندوق ووضع بداخل الصندوق أيضًا سمًا قاتلًا ثم أغلق الصندوق، فالمفارقة التي توصّل لها شرودنجر هنا هي أن القط يكون ميتًا وعلى قيد الحياة في نفس الوقت إلى أن نفتح الصندوق لنحدد فعليًا ما إن كان ذلك القط ميتًا أم عيشًا).

نظرية الوعي الكمي تفتح المجال أمام علم النفس وعلم الأعصاب على حد سواء لفهم العقل ليس كـ”حاسوب خطي” وإنما كـ”كون رائع”. ولكن فكرة أن الفكر والوجود البشري مليء بالتناقضات والمفارقات هي فكرة قديمة ومتواترة على مدى قرون.

العقل إذاً طبقاً لنظرية الوعي (الإدراك) الكمومي “يقامر” بمنطقنا ومشاعرنا وانحيازاتنا “الغير أكيدة” ليكوّن بذلك أفكار متنافسة. ثم نصطنع نحن تلك الخيارات المتضاربة لنفسّر ونواجه واقعنا الـ”أكيد” نسبياً. باستكشاف عقولنا في المستوى الكمومي، نقوم بتغييرها، وبتغييرعقولنا نغير الواقع الذي يشكلها.


 

المصدر الأول

المصدر الثاني