يدرس علماء الاجتماع في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا مدى انتشار العار، والدور الذي يلعبه في العدوانية والاكتئاب.

عارٌ عليك.

كلمتان بسيطتانِ، لو وجِهت لشخصٍ ما كان لها أن تدمّر إحساسه بقيمته وتقديره لذاته.

مؤقتًا، أو على الدوام في حال استخدمت بكثرة.

 

 

«يُعتبر الشعور بالعار من أكثر الأحساسيس المخفية والمكبوتة في حياتنا المعاصرة، ولذلك فهو أكثرها فتكًا، إذ أن هذه الإحساسيس كالتنفس، يمكن أن تخلق مشكلةً فيما لو مُنِعت.

فعندما يكون العار مخفيًا، فإنه يسبب المتاعب للأفراد والمجموعات على السواء»، هذا على حد تعبير ثوماس شيف (Thomas Scheff)، البروفسور المتقاعد في علم الاجتماع من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا.

يتفحص البروفسور شيف انتشار العار المخفي، ويقترح بأنه قد يكون إحدى وسائل فهم المجتمع المعاصر.

 

فبحسب شيف، توفّر المجتمعات التي تتبنى المذهب الفردي (كالمجتمعات الغربية) أرضًا خصبة لانتشار هذا الشعور، والسبب في ذلك يكمن في كون هذه المجتمعات تشجع الأفراد على تولي زمام الأمور بمفردهم، بغض النظر عن التبعات الاجتماعية المترتبة على ذلك.

ويتصرف أفراد هذه المجتمعات كما لو كانوا مثاليين ومستقلين عن الآخرين.

فكما أن لهذه الصفة جوانب إيجابية خلّاقة؛ فإنها تؤدي في أقله إلى الشعور بالاغتراب عن الآخرين، إضافة إلى إخفاء الشعور بالعار.

وفي هذا الصدد، ينوه شيف إلى أن الشعور بالعار لم يكن أقل شيوعًا قبل سنواتٍ أو عقود أو أجيالٍ، مما هو عليه الآن، إلّا أنه أكثر خفاءً في الوقت الحاضر، فبرغم وجودهِ كعملية بيولوجية، شأنه في ذلك شأن بقية الأحساسيس؛ إلا أننا نشعر بالخجل منه أكثر من البقية.

ففي المجتمعات الحديثة تكون الأحساسيس المخفية أكثر شيوعًا من تلك المعتادة.

وفي سياق استكشاف العلاقة بين العار والعدوان؛ يستشهد شيف بالكتاب الذي ألّفه عالم الاجتماع نيل وبسديل (Neil Websdale) وهو بعنوان:

“قلوبُ القاتلين عائليًا: الأنماط العاطفية لـ211 قاتلًا” (Familicidal Hearts: The Emotional Styles of 211 Killers) والذي يتناول حالة من يقدمون على قتل الزوج أو الزوجة بالإضافة إلى أطفالهم، ومن ثم ينتهي الأمر غالبًا بمرتكب الجريمة بالانتحار، مدفوعًا بعارٍ خفي، على حد وصف شيف.

فالأمر متعلقٌ بالشعور بالإذلال والاختباء خلف ستار العدوان أو العنف.

 

يقول شيف: «إن أكثر ما يسترعي الانتباه في هذه الدراسة، يكمن في مجموعة من الأشخاص، ممن يتصفون بالهدوء أو عدم الغضب، وهم أقلية تشعر بالإذلال عند فقدانها لوظائفها.

لذلك، يتظاهرون كل يومٍ بالذهاب للعمل، بينما هم في حقيقةِ الأمر، يخططون لتنفيذ عمليات القتل تلك».

ويطلق وبسديل على مثل هؤلاء وصف “متحضرون محترمون”، وكذلك يصف حضارتنا ومجتمعنا. ويكمل قوله معبرًا:

«أن لا تشعر بالغضب ولا بالعار».

يرى شيف أن العار أو رد الفعل الذي يترتب عليه، يمكن أن يتجسدا في أفعالٍ عدوانية أكبر، كالحروب والنزاعات العسكرية الأخرى، وبالأخصِ لدى القادة، ممن يخفون الشعور بالعار والعدوان خلف ستار العقلانية بدقة، حيث يستدرك في نص بحثه قائلًا:

«ربما شعرت إدارة بوش بالإحراج الشديد لوقوع اعتداءات الحادي عشرَ من سبتمبر أثناء فترة توليها السلطة، مترافقًا مع عجزها عن معاقبة المهاجمين.

فربما كان غزوها للعراق المبني على افتراضاتٍ خاطئة، يراد منه إخفاء عارها خلف ستار الغضب والعدوان».

تكمن المشكلة في هذا النمط من التفكير، في كون العار في حقيقة الأمر إحساس مفيد للغاية.

فالعار أساس الأخلاق، ولن تجد مجتمعًا أخلاقيًا لا يشعر به.

فهو -أي العار- يضفي على الأخلاق أهميتها، فهناك المئات من التصورات لما يجب نفعله وما لا يجب، ولكن ما يؤثر فيك بالتحديد هو ذلك التصرف الذي ينتج عنه شعورٌ بالعار.

 

في حين يزداد تحسس بعض الأشخاص من الآثار التي ينتجها هذا الشعور؛ يمكن للبعض الآخر السيطرة عليه بشكلٍ أكبر.

فهؤلاء (الأوغاد) الأشبه بالأطفال، ممن يتلقون معاملةً عاطفية من شخصٍ واحدٍ من المهتمين بهم على أقل تقدير، يشعرون بفخرٍ أكبر، يتقبلهم الآخرون على طبيعتهم، ولذلك فهم أقل شعورًا بالعار والرفض.

فمالحل إذن؟

يجيب شثف: «الجواب يكمن في الضحك جيداً.

أن تضحك على نفسك أو على ظروفك أو على هذا الكون، لا أن تضحك على الآخرين.

فأغلب الضحك في الكوميديا ضحكٌ جيد، بغض النظر عن الممثلين، فنحن في واقع الأمر نضحك على أنفسنا عندما نراهم يقومون بحماقاتهم».


المصدر الأول

المصدر الثاني