حتّى قبل امتلاكهم للمهارات اللّغويّة أو ما يكفي من المعلومات لفهم المبنى الإجتماعي في محيطهم القريب، يستطيع الرضّع الإستدلال حول احتماليّة أن يكون الأشخاص من حولهم أصدقاء أو لا عن طريق مراقبة الأمور التي يُفضّلها (أو يُبغضها) هؤلاء الأشخاص، وذلك بحسب نتائج دراسة جديدة حول إدراك الرضّع.

في هذه الدّراسة، تمّ اختيار 64 رضيع بجيل 9 أشهر وتوزيعهم بشكلٍ عشوائيّ في مجموعاتٍ مختلفة. عرض الباحثون على الأطفال فيديوهات فيها شخصين بالغين يتناولان الطعام، ثم يبديان ردة فعل معيّنة تجاه الطعام (ردة فعل سلبية تجاه الطعام الذي لم يعجبهم، أو إيجابية تجاه الطعام الذي أحبوه). في بعض الفيديوهات كان للشخصين نفس ردة الفعل (سواء كلاهما كرها الطعام أو كلاهما أحباه) بينما في البعض الآخر كانت ردة فعلهما مختلفة.

بحسب كاثرين كينزلر، الباحثة التي أشرفت على التّجربة والأستاذة المساعدة في علم النّفس في جامعة شيكاغو، تمّ اختيار تقييم البالغين للطّعام لأنّ الطّعام قد يُقدّم معلومات إجتماعيّة بارزة، فالأكل مع العائلة والأصدقاء هو فعلٌ إجتماعيٌّ ضمنيًّا.

بعد تلك الجولة الأولى، وحتّى يتأكّد الباحثون إذا ما كان الرضّع قد ربطوا بين ردّة الفعل تجاه الطّعام وبين العلاقات الإجتماعيّة، قاموا بعرض مجموعة أخرى من الفيديوهات على نفس الأطفال، إذ يمثل في هذه الفيديوهات الشخصان نفسهما. في بعض هذه الفيديوهات كان تصرّف البالغين تجاه بعضهما إيجابيًّا (يبتسمان لبعضهما البعض و يلقيان التحية)، و في البعض الآخر كان سلبيًّا (يتأففان و لا ينظران إلى بعضهما البعض).

العلماء قاموا بتقييم ردّة فعل الأطفال تجاه الفيديوهات عن طريق قياس المدّة التي حدّق فيها الطّفل تجاه الشّاشة بعد توقّف الفيديو. دراساتٌ سابقة أظهرت أنّ مدّة تحديق الرّضع مرتبطة نوعًا ما بإحساسهم إمّا بالمفاجأة أو الألفة. كلّما كان الطّفل زاد تعجّب الطّفل، كلّما طالت مدّة تحديقه.

ردود فعل الأطفال التي كشفت عنها التّجربة كانت كالتّالي: أبدى الأطفال تعجباً و استغراباً لدى رؤيتهم الأشخاص الذين اشتركوا بردة فعل واحدة تجاه الطعام، يتصرفون كأعداء لاحقًا. كما أنّهم تعجّبوا لدى رؤيتهم الأشخاص الذين اختلفوا بردة فعلهم تجاه الطعام يتصرفون كأصدقاء.

التجربة أشارت إلى أن الأطفال توقعوا أن يكون الأشخاص المتفقون في وجهات نظرهم تجاه الطعام أصدقاء و أن يتصرفوا بودية، و أبدوا الاستغراب حينما رأوا عكس ذلك. التّجربة تُشير أيضًا إلى وجود بوادر لمهارات التحليل الاجتماعي و المنطق لدى الأطفال من عمر 9 أشهر، و التجارب المستقبلية ستحاول الكشف عن المزيد من مثل هذه المهارات عند الأطفال.


 

مصدر