أعلنت وكالة مشاريع البحوث المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية داربا (DARPA) الأسبوع الماضي عن برنامج جديد يهدف إلى إنشاء اتصال بين الدماغ البشري والعالم الرقمي.

لتحقيق أهداف هذا البرنامج المسمى ” تصميم نظام الهندسة العصبية(NESD) “، دعت داربا الباحثين إلى اقتراح تصاميم لإنشاء وسيط رقمي بين الإنسان والحاسوب والتأكد من فعاليته، بحيث يمكنه أن يسجل من أكثر من مليون خلية عصبية ويحفز أكثر من 100 ألف منها في الدماغ في الوقت الحقيقي.

هذا الاتصال يجب أن يؤمن تفاعلاً مستمراً، متزامناً، وثنائيّ الاتجاه مع ما لا يقل عن 1000 خلية عصبية، بدايةً من مناطق القشرة السمعية والبصرية والحسية.

اقترحت داربا إمكانية استخدام الأجهزة التي يتم إنشاؤها للبرنامج NESD في التعويض عن العجز البصري أو السمعي، إضافةً للعديد من التطبيقات الممكنة.

ولتمويل البرنامج ستمنح الوكالة مبلغاً ماليَّاً قد يصل الى 60 مليون دولار، اعتماداً على نوعية المقترحات الواردة ومدى نجاح التصميمات، وبحسب وفرة الأموال. كما أنه من المتوقع تقديم العديد من المنح.

تحدي الابتكار:

تسعى داربا الى أبحاث مبتكرة غير مكررة. والجهاز الذي سوف ينجح في البرنامج سيحدث تقدمًا كبيرًا في عدة تخصصات أخرى بما فيها الإلكترونيات الدقيقة والضوئيات والترميز العصبي1 القابل للتطوير، ومعالجة الخوارزميات.

ما تطمح إليه الوكالة هو إنشاء جهاز واحد بقياس سنتيمتر مكعب فقط -بحجم قطعتي نقود مكدستين -يمكنه أن يقوم بالقراءة والكتابة ويقوم بوظائف الاتصال ثنائي الاتجاه المطلوب.

لذا ستنظر فقط في التصاميم التي تؤدي تلك القدرات بشكل منفصل بهذا الحجم. كذلك، يجب أن تكون الأجهزة آمنة لمنع الانتحال أو العبث، أو التعرض لتوقف الخدمة.

وستساعد داربا المصممين في العمل بشأن مسائل الحماية.

يهدف البرنامج بشكل رئيسي إلى ابتكار وحدات اتصال قابلة للتطوير يمكن أن تخدم تطبيقات متعددة لرصد وتعديل أنشطة واسعة النطاق في الجهاز العصبي المركزي.

يجب ألَّا تتطلب الأجهزة المصممة وصلات خارجية، أو موصلات لتوفير الطاقة أو تسهيل ربطها مع أجهزة الحاسوب. يجب أن تكون مكونات العتاد مقسمة إلى وحدات.

وأن تكون أدوات ربطها واضحة ومحددة، وواجهاتها البرمجية2 (API) قابلة للتحديث والترقية بسهولة، وقادرة على استيعاب طرق أو خوارزميات جديدة لتوصيل الإشارات العصبية، بالتالي يمكن استخدامها في مستقبل البحث والتطوير.

البرنامج NESD سيتطلب تقدمًا علميًّا وتقنيًّا في مجالين رئيسيين هما: 1-محولات الطاقة العصبية والخوارزميات العصبية 2-نمذجة وتصنيع العتاد.

ومن المتوقع تشغيل البرنامج في ثلاث مراحل على مدى فترة أربع سنوات.

الاتصال المنطقي بين الكمبيوتر و الدماغ:

يقول فينكات راجان (Venkat Rajan) مدير الرعاية الصحية العالمية في شركة (Frost & Sullivan): “الدماغ على الأرجح هو آخر عتبة طبية لم نتمكن حتى الآن من الوصول إليها بواسطة الأجهزة الطبية”.

ويضيف: “إن علاج الكثير من الاضطرابات الانتكاسية -سواء المتعلقة بالألم، أو مرض باركنسون، أو الصحة العقلية، أو اضطرابات الرؤية-لم ينجح دوماً باستخدام الأدوية”.

“والدماغ مجرد دارة، فإذا تمكنا من جعله يتصل مع الإلكترونيات الدقيقة للتشارك في معالجة المسائل، ذلك سيقود إلى تحسن كبير في نوعية الحياة”.

الحفاظ على زراعة آمنة للدماغ:

يقول ريك فايس(Rick Weiss) كبير المستشارين في وكالة داربا: “في البداية سيتم تنفيذ المشروع في نظم مغلقة، لتجنب المخاوف الأمنية، وأي بحث سيكون خارج ذلك الإطار سيخضع لتدابير وحسابات أمنية كافية”.

ويضيف: “ومع ذلك، حتى لو أمكن الحصول على أجهزة آمنة كما تطمح داربا فإن هزيمة قراصنة الحاسوب أمر غير مؤكد بعد، في ظل تمكنهم من اختراق معايير الأمن الافتراضي بشكل متكرر”.

أكثر من مجرد تكنولوجيا:

برأي الأستاذ آرون سيتز (Aron Seitz) أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد(Riverside)، والذي يقوم بتدريب المعوقين في الاستخدام السليم لأطرافهم الاصطناعية: “هناك مخاوف كبيرة من أن نحصل على جهاز بشريحة معقدة وكثير من القدرات، لكن دون معالجة مسألة كيفية تدريب الدماغ على التعامل معه، فقد استغرق الخبراء من 10 إلى 20 سنة ليدركوا أن معوقي السمع الذين خضعوا لزراعة قوقعة صناعية لم يعرفوا كيفية فهم الإشارات، لذا فإن هناك تركيز ضخم الآن على تدريب هؤلاء على كيفية فهم تلك الإشارات”.


1-الترميز العصبي: الطريقة التي تتمثل بها المعلومات في الخلية العصبية.

2-API (Application Programming Interface): واجهة برمجة التطبيقات أو الواجهة البرمجية، مصطلح يطلق على مجموعة هياكل البيانات، أو البروتوكولات التي تقدمها المكتبات البرمجية أو نظام التشغيل لدعم بناء البرامج المختلفة.