لا أحد منا يحب أن يكون جاهلًا، ولكن على ما يبدو فإن تجاهل بعض الأمور قد يكون مفيدًا في بعض الأحيان.

وجد باحثون في الولايات المتحدة تحسّنًا في قدرة الأشخاص على أداء مهام بصرية معينة عند إخبارهم بأن يتجاهلوا معلومات أخرى. بنفس الطريقة التي تزداد بها سرعة بحثك عن شيء ما عند معرفك لهذا الشيء في المقابل؛ فإن معرفة الأشخاص المسبقة للمعلومات غير الضرورية تعطي أيضا نتائج مشابهة.

قال الباحث كوربين أ. كانينغام (Corbin A. Cunningham) من جامعة جونز هوبكنز (Johns Hopkins University): «يُظهر الأشخاص الذين يتعمدون تجاهل المعلومات الصارفة للانتباه تحسّنًا في البحث البصري، وهي مهارة في غاية الأهمية لمن يعتمد عمله على البحث كأطباء الأشعة ومفتشي البضائع. سيساعد هذا البحث على تحسين برامج التدريب للاختصاصات التي تعتمد على البحث البصري».

هناك دراسات سابقة أثبتت أن إعطاء الأشخاص معلومات غير مفيدة يبطئ من بحثهم. لكن الجديد في هذه الدراسة أن إعطاء الأشخاص وقتًا كافيًا لتعلّم ما يجب عليهم تجاهله يساعدهم في النهاية على البحث بشكل أسرع وبكفاءة أعلى.

لإثبات هذه الفرضية، قام الباحثون بالطلب من المشاركين أن يبحثوا عن حروف معينة ضمن كومة من الحروف والرموز على شاشة حاسوب. في بعض المرات تمّ إعطاؤهم أدلة مساعدة (مثل الألوان التي عليهم تجاهلها)، فيما لم يتمّ إعطاء أية معلومات في مرات أخرى.

أظهرت نتائج الدراسة التي نشرت في مجلة (Psychological Science) تباطؤاً مبدئيًا في سرعة عمل المشاركين الذين أُعلموا بتجاهل لون ما. ولكن مع تكرار التجربة (حوالي 100 مرة) استطاع هؤلاء التعرّف على الحرف المطلوب بسرعة متزايدة ليتفوقوا على أقرانهم الذين لم يتمّ إعطاؤهم معلومات إضافية.

قال عالم النفس هاورد إغيث (Howard Egeth): «غالبًا ما نعرّف الانتباه على أنه شيء يساعدنا في تحليل الموجودات المهمة في العالم. تسلّط هذه الدراسة الضوء على أهمية الكبح الفعّال للمنبّهات المنافسة. والتي تمثل بحسب اعتباري الجانب السلبي من الانتباه».

بعبارة أخرى، القدرة على تجاهل الأشياء هي جزء أساسي من قدرتنا على التركيز على ما هو مهم.

هذه ليست المرة الأولى التي يبحث فيها أحد في هذا الجانب من علم الأعصاب. ففي العام الماضي نشر علماء أعصاب من جامعة براون (Brown University) دراسة مفادها أن أدمغتنا تحقق “التجاهل المثالي” (optimal inattention) عندما ننجح في تجاهل الأشياء، كالمنبهات الألمية مثلًا. ووضحتها الباحثة ستيفاني جونز (Stephanie Jones) بالقول: «الأمر متعلّق بالآليات التي يستخدمها الدماغ لكبح الأمور الصارفة للتركيز ضمن البيئة المحيطة».

يعتقد العلماء أن القدرة على حجب المعلومات الدخيلة أمرٌ ضروري لمعالجة المعلومات. نجحت دراسة أجراها باحثون من المعهد الوطني الأمريكي للاضطرابات العصبية والسكتات (US National Institute of Neurological Disorders and Stroke) برسم خريطة للدارات العصبية في أدمغة الفئران والتي يرجّح أن تكون مسؤولة عن تجاهل التشويش الخارجي.

عندما تتلف هذه الدارات، يعتقد العلماء أننا سنفقد القدرة على تحديد ما نتجاهله، وبنتيجة ذلك لن نستطيع التركيز على شيء أيضًا.

قال الباحث مايكل هالاسا (Michael Halassa): «عادة ما نستخدم نسبة ضئيلة من التنبيهات الحسيّة الخارجية للتحكّم بتصرفاتنا، لكن في بعض الاضطرابات العصبية يزداد العبء على الدماغ، وبالتالي يتلقّى الكثير من التنبيهات الحسية العشوائية بسبب تخرب آلية الغربلة الخاصة به».

لذلك عندما يخبرك أحدهم بأنك لا توليه الاهتمام، تقبّل هذا الكلام كمديح، ففي النهاية قدرتنا على التجاهل هي المقابل الطبيعي لقدرتنا على التركيز. تجاهلهم!


 

المصدر