أشعة غاما من الظواهر الطبيعية التي يعكف العلماء على دراستها؛ لما لها من أهمية كبيرة في وصف الكون وتقديم آراء موثوقة عن حالته في الماضي، إلّا أنّ العلماء في جامعة برنستون ومعهد ماساتشوستس للعلوم والتكنولوجيا وبعض المعاهد العلمية الموثوقة في هولندا، اكتشفوا حديثًا ومن خلال العديد من الدراسات أن أشعة غاما القادمة من مركز مجرتنا درب التبانة لا تنتمي إلى المادة المظلمة، وإنما هي نتيجة ظاهرة فيزيائية فلكية أخرى، كظاهرة النجوم النابضة.

رجحت العديد من الدراسات السابقة، أنّ أشعة غاما تنطلق من منطقة كثيفة من المادة المظلمة، التي تصدر أشعة غاما عندما تصطدم جزيئاتها ببعضها البعض، ولكن بعد الدراسات الإحصائية والبيانات التحليلية، توصّل فريقان من العلماء بشكل منفصل إلى أن أشعة غاما تختلف في خصائصها عن المادة المظلمة.

توضّح أستاذة الفيزياء ماريانجيلا ليزانتي أن التحليلات تفترض وجود مصدر فلكي فزيائي لأشعة غاما القادمة من مركز مجرتنا، التي تعتبر منقطة معقدة جدًا من الفضاء، ومن الممكن أن تختلط فيها الكثير من الإشارات الفلكية الفيزيائية مع إشارات المادة المظلمة.

يُعتقد أن مركز مجرة درب التبانة يحتوي على كمية كبيرة من المادة المظلمة، لأن أكبر قدر من كتلة المجرة يتركّز داخل هذه المنطقة إلى جانب العناقيد النجمية والثقوب السوداء الكثيفة التي تحتويها، والحصول على دليل قاطع عن تصادمات المادة المظلمة القابعة في مركز مجرتنا، سيقودنا نحو خطوة كبيرة، في محاولاتنا المستمرة لفهم الكون وآلية عمله، وسيجعلنا نفهم الفروق بين المادة العادية، والمادة المظلمة.

ولمعرفة ما إذا كانت أشعة غاما قادمة من المادة المظلمة أو من مصدر آخر؛ استعان الباحثون ببعض الصور التي التقطتها وكالة ناسا لأشعة غاما بواسطة تليسكوب فيرمي الفضائي عام 2008، واستخدموا تقنيات معالجة الصور، ونظروا فيما يجب أن تبدو عليه هيئة أشعة غاما إذا ما قدمت من تصادم جزيئات المادة السوداء المفترضة المعروفة بوصف” الجزيئات الضخمة ذات التفاعل الضعيف”.

يُعتقد أن المادة المظلمة تشكل 85% من كتلة الكون، إلّا أنها حتى الآن لم تُكتشف بشكل مباشر، وإنما تعرّف عليها العلماء من خلال ملاحظة تأثيراتها في الكون، وإذا ما تصادم جزيئان منها، فسيمحقان بعضهما البعض لينتجا أشعة غاما، التي تُعد الأشعة الأكثر طاقة في هذا الكون.

وبناء على نموذج معالجة الصور؛ من المفترض أن تتوزع جزيئات الطاقة العالية أو الفوتونات بطريقة سلسة وبشكل متساوي على أرجاء الصورة التي التقطها تلسكوب فيرمي، أما الأشعة الناتجة عن المصادر الأخرى مثل النجوم النابضة فستظهر في الصورة على شكل تكتّلات منفصلة ذات لون باهت.

وبعد استخدام منهج التحليل الإحصائي لفحص الصورة، وجد العلماء أن الفوتونات موزعة بطريقة أقرب إلى التكتلات، مما يعني أن أشعة غاما من المحتمل ألّا تكون صادرة عن المادة السوداء.

توضّح البروفيسور ليزانتي أن مصدر هذه الأشعة لا يزال غير معروف على وجه الدقة، ومن المرجّح أن تكون نجوم نابضة قديمة جدًّا، ولكن هناك فرصة للتأكد من مصدرها ودراستها إذا ما استُخدمت التلسكوبات التي تعتمد على ترددات الراديو على سبيل المثال.

ويقول بروفيسور الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد دوغلاس فيكبينر إنّه بالرغم من أن النتائج تعقّد دراسة المادة المظلمة، إلا أنها تقودنا إلى حقل جديد من الدراسة، وهذا بحد ذاته أمر جيد.


 

المصدر