يبدو أننا جميعًا مررنا بمرحلة “الخوف من الظلام” عندما كنا أطفالًا.

و بالعودة للماضي عندما كنا صغارًا لم نكن نخاف من الأمور التي يحذرها الكبار، لكن هنالك أمر ما متعلق بالظلام نخافه كل ليلة.

فبعد كل شيء، هي تلك الوحوش التي تخرج ليلًا للعب (أو هكذا كنا نتصوّر الأمر).

على الرغم من أن الأمر يبدو صبيانيًا لتصديقه، فإن خوفنا من الظلام هو سمة تطوّرية، اكتسبناها للبقاء على قيد الحياة عندما طاردتنا الحيوانات المفترسة في الليل.

وافترض الباحثون أن هذه الخوف الفطري ينبع من التاريخ البشري عندما لم نكن في مستوى الحيوات المفترسة الأولى مقارنة بما نحن عليه الآن.

البشر في الواقع أصبحوا حيوانات مفترسة في عالم التكنولوجيا، التي لم يمض عليها وقت طويل.

 

قبل التكنولوجيا، كان أسلافنا يراقبون باستمرار تلك الحيوانات المفترسة التي جلّ ما تريده هو التهام شطائر بشرية.

والمخيف أكثر، معظم هذه الحيوانات كانت تصطاد في الليل، ذلك الوقت من اليوم الذي كنا أكثر عرضة للهجمات خلاله بسبب ضعف نظرنا نسبيًا.

مما يعني أن البقاء على قيد الحياة في منتصف الليل كان أمرًا فائق الأهمية لأسلافنا، فإن لم يستطيعوا ذلك، كان الموت حليفهم.

على مرّ السنين، أصبح الخوف ليلًا سمة غريزية، وما زلنا نمر بها في وقتنا الحاضر كشكل من أشكال القلق المعتدل.

 

وفقًا لأندرو تارانتولا (Andrew Tarantola) في مجلة (Gizmodo) بحسب ما كشفته دراسة في عام 2012 من قبل باحثين في جامعة تورنتو (University of Toronto) بكندا، أن هذا القلق ليس ذعرًا؛ لكنه نوعًا ما أمر ثابت، كنذير الخوف الذي يبقينا على حافة الهاوية، وهذا بالضبط ما احتاجه أسلافنا.

هذا النوع من القلق هو طريقة تعبير جسدك لإبقائك واقفًا على أصابع قدميك في حال كنت بحاجة إلى “الكرّ أو الفرّ”، لإبعادك عن الخطر.

جوهر الخوف من الظلام هو الخوف من المجهول.

لا نستطيع رؤية ما هناك في الظلام، و الأمر يخيفنا لأننا ببساطة نتخيل أسوأ احتمال ممكن.

بالنسبة للبشر قديمًا، كان هناك أسود وحيوانات مفترسة أخرى، لكن المدن الكبيرة خالية من الحيوانات المفترسة هذه الأيام، ولكنها ليست خالية من الوحوش.

نحن من خلقنا الوحوش، كونها تملأ الفراغات التي تركتها الحيوانات المفترسة.

أكبر مثال على ذلك هو صناعة أفلام الرعب: الجيد منها لن يظهر لك الوحش مباشرة رغبةً في ترك الأمر لمخيلتك حتى يكون أكثر ترويعًا.

 

بينما تحوّلت الحضارات الإنسانية البدائية ببطء إلى حضارات مدنيّة كما هي عليها الآن؛ ما زال خوفنا من الظلام باقٍ.

إلا أنه أمر غريب لأن معظمنا لا يحتاج إلى الخوف من الظلام، خاصة أننا نمتلك المصابيح الكهربائية وشاشات الهاتف وشاشات التلفاز، والتي جعلت من الظلام مجرد اختيار وليس أمرًا حتميًا.

 

من الناحية الفنية، لسنا في حاجة هذا الخوف، إلا أنه لا يزال موجود، ولا يزال محيّرًا.

يتمّ تمرير هذه الصفات عادة بين الأقارب على مرّ القرون إلى أن تصبح هذه الصفات نقطة مغروسة في نفوسنا.

عند الأخذ بعين الاعتبار المدة الزمنية لوجود البشر على الأرض، فقط مؤخرًا أصبح هذا الخوف جزءًا من الماضي بالنسبة لسكان المدن.

لذلك، إن كنت تخاف الظلام أو لديك طفل يخاف الظلام، تذكّر حينها أنه في زمن ما كان الخوف سمة البقاء التي أبقت أسلافنا على قيد الحياة.

كونك تخاف لا يعني أنك جبان، بل الخوف يُكسب جسدك المقدرة على التناغم مع التهديدات وبالتالي أكثر استعدادًا للبقاء.


المصدر