لماذا نحن مهووسون بالفوز والربح؟

لماذا نحن دائماً مولعون بالصفقات الرابحة والترقيات واليانصيب وماذا نفعل حيال ذلك؟

دائماً ما تبدأ لعبة التخمين عند اقتراب حفل توزيع جوائز الأوسكار أو عند اقتراب الانتخابات، ويبدأ السؤال…. من الذي سيفوز؟ لماذا نحب مشاهدة هذه الأحداث دوماً؟ ولماذا نحن مجبولون على حبّ الفوز؟

إن الموضوع أكثر من مجرد الفوز وحده, إنه السعي بحد ذاته الذي يمنحنا تلك المتعة.

أو ما اصطلح على تسميته مؤخرا : “المطاردة” وعلى الرغم من أن هذه “المطاردة” قد تختلف من شخص لآخر(من شراء تذكرة اليانصيب إلى التسوق في المحلات إلى دخول صفقة تجارية جديدة إلى التقدم في طلب لعمل أو ترقية جديدة) إلا أننا جميعاً نقوم بهذه المطاردة.

فكّر في تلك اللحظة التي سيعلن فيها اسم المتسابق الفائز في ذلك البرنامج؛ الغرفة هادئة، والكل يترقب بشغف…. فكّر أيضاً في اللحظة التي سيعلن فيها عن اسم الفائز في الانتخابات.

في هذه اللحظات نحن نختبر ما يسميه الباحثون ((الفرحة الاستباقية)) وهي السعادة الناتجة عن توقع تحقيق الرغبة التي نتوق اليها.

الدماغ في حالة الفوز:

يشرح لنا عرّاب علم النفس الإيجابي البروفيسور مارتن سيلجمان (Martin Seligman) من جامعة بنسلفينيا في كتابه (Authentic Happiness) هذه المواقف.

فيحكي لنا عن قصة حيوان أليف (سحلية) كانت تتضور جوعاً إلى حد الموت لأنها كانت قد منعت عن الأكل.

في أحد المرّات حين كان مالكها يأكل شطيرته, تنقضّ السحلية عليها بسرعة. لقد فضّلت السحلية ان تموت على أن تكون محرومة من تجربتها في اللحاق والحصول على طعامها.

وعلى نحو مشابه، فإن القطط تفرز الدوبامين عندما تلاحق الفئران.ومن وجهة نظر تطوّرية؛ فإن كل من الحيوان والإنسان قد تطوّر ليختبر تجربة الفرحة الاستباقية من أجل البقاء على قيد الحياة عن طريق مطاردة مصادر غذائه. كما قد ضمنت هذه التجربة تكاثرنا كأنواع من خلال مطاردة الشريك الجنسي (ومن الممكن أن تشرح لنا أيضاً لماذا من الصعب ان نجد الشريك الجنسي المثالي).

براين نوتسن من جامعة ستانفورد قام بإجراء دراسات دقيقة عن طريق تصوير الدماغ في هذه الحالة.

فلاحظ أن مجرد النظر إلى شيء محبب ومرغوب يطلق إشارات عصبية مرتبطة بإفراز الدوبامين في الدماغ.

والدوبامين هو الناقل العصبي المعروف الذي يعطي الشعور بالمكافأة والرضى.

لنقل أنك تنظر إلى قطعة شوكولا لذيذة، فإنه لا ينبغي لك أن تنتظر حتى تهضمها من أجل أن تشعر بالرضا, مجرد النظر اليها والسعي وراءها يعطيك هذا الشعور, عن طريق إطلاق إشارات الرضا في دماغك.

كيف نصبح مهووسين؟

الفرحة الاستباقية هي التي تبقينا مهووسين بالبحث عن الجوائز, الترقيات, الانجازات، والمكافآت.

البروفيسور مايكل تريدوي(Micheal Treadway) من جامعة ايموري أثبت أن الأشخاص كثيري الإنجازات يحرّرون كميات أكبر من الدوبامين في مناطق الشعور بالمكافأة في الدماغ, ربما هذا ما يعطيهم مشاعر أفضل عندما ينجزون أمورهم.

على أي حال، فإن حبنا للمطاردة قد يعمينا أحياناً عن مخاطرها.

الكثير من الناس لا يتوقفون ليفكّروا إن كان “فوزهم” هذا يستحق المطاردة. وعندما يفوزون يحصلون على لمحة صغيرة من السعادة، ولكن هذه اللمحة لا تدوم! هذا هو السبب في أننا عندما نحصل على المكافأة أو الجائزة، نظل متعطشين للمزيد، ونباشر في ملاحقة جائزة أخرى, ربما هذا هو السبب في أن رجال الأعمال ولاعبي القوى الناجحين يستمرون في البحث عن المزيد. هل حققت نجاحاً؟ حسناً، ماذا تنتظر؟؟ دعني أحزر؛ اذهب وابحث عن نجاح جديد. لقد وصلنا للاعتقاد بأن السعادة هي في تحقيق الأهداف والفوز مراراً وتكراراً بينما (المطاردة) هي التي تبقينا متحفزين, تبقينا نشطين.

لكن ما المشكلة في ذلك؟ تكمن المشكلة في أن هذه المطاردات قد تجعلنا نفقد لحظات حياتنا وسعادتنا الحقيقية.

قد تضيع لحظة ألفة من أجل أن تستيقظ وتبدأ العمل، قد تضحي بلحظات رائعة مع طفل من أجل أن تقوم بمكالمة لعمل قد يؤدي إلى شيء ما, قد تنبذ ليلة نوم هنيئة من اجل أن تنهي مشروعك الجديد. كيف نستغل رغباتنا المشتعلة (بالمطاردة) لتحقيق أفضل النتائج الممكنة؟

لماذا لا نكتفي ونقتنع عندما نصل إلى أهدافنا؟

البروفيسور دان جيلبرت (Dan Gilbert) من جامعة هارفرد أوضح أننا غالباً ما يكون لدينا مفاهيم خاطئة حيال ما يجعلنا سعداء.

نحن نميل إلى أن نبالغ بشكل كبير في توقعاتنا لمدى السعادة التي سيحققها وصولنا وتحقيقنا لأهدافنا.

علاوة على ذلك؛ فإن فرحتنا الاستباقية نفسها تقوم بخداعنا.

إننا نقع فريسة لواحدة من ظاهرتين سايكولوجيتين (نفسيتين) الأولى: هي التعود؛ نحن نعتاد على ما لدينا، على سبيل المثال فقد حصلت على ترقية وأصبحت رئيساً تنفيذياً.

عندما تسلمت هذا المنصب الجديد من المؤكد أنك شعرت بالنشوة والسعادة الغامرة، لكن هذا الشعور لن يستمر طويلاً، وستشعر عندها أنك تريد المزيد.

أما الظاهرة الثانية: فهي الميول السلبية؛ فنحن لدينا ميل لأن نركز على السلبيات كثيراً. فجأة، تصبح الجائزة التي ربحتها غير كافية، أو يصبح عملك الجديد غير ممتع، أو أنك تجد نفسك لا تحب مديرك. نحن ننسى الصفات الإيجابية للشيء الذي حصلنا عليه سريعآ.

وعلى وجه التحديد؛ ذلك الشيء الذي كنا نطارده. مطارداتنا للجوائز، شغفنا بأن نكون الأفضل، أوهامنا بأن حياتنا لن تكتمل إلا بإنجازات معينة، مطارداتنا للأشياء وحتى للأشخاص.. ففي كثير من الأحيان، هذه المطاردة ستضيع حياتك. فأنت سوف تعمل كثيراً… تتمرن كثيراً… تحقق كثيراً… تتعب كثيراً…. وتنفق كثيراً. وفي النهاية سوف يختفي كله كما يختفي السراب في الصحراء.

إنه الوهم الذي لن يروي عطشك للسعادة.

لكن الأخبار الجيدة أنك من الممكن أن تستمتع ب (فرحتك الاستباقية) طالما أنك لن تدعها تهدر أوقات حياتك.

بعد كل فرحة استباقية, سيكون بإمكاننا أن نحقق أهدافنا الصعبة من خلال توفير قوة الإرادة التي نحتاجهانحن نستمتع بمطاردة أحلامنا وقد أظهرت الدراسات أننا نعطي قيمة أكبر للأشياء التي عملنا من أجلها طويلاً.

تعلّم أن تستخدمها كأداة بيديك بدل أن تكون أنت أداة لها.

تعلّم أن تخفف من قبضتها عليك عندما لا تكون بحاجة فعلية إليها.

أظهرت الدراسات أن بعض التمارين مثل التأمل تساعدك أن تزيد من تحكمك العاطفي وتوسع من منظورك للحياة.

ويتفق الباحثون المختصون بالسعادة على أن مفتاح السعادة طويلة المدى (ليست قصيرة الأمد كتلك التي تشعر بها عند تحقيقك هدف معين) يكمن في العلاقات الإجتماعية السعيدة والتواصل مع الناس.

بعد أن قمنا بتأمين الطعام والمأوى، ماذا نريد أكثر لكي نكون راضين عن حياتنا؟ والشيء الأكثر أهمية… إن أعظم شعور بالرضا عن النفس يأتي من خلال ممارسة الإيثار والإنسانية في حياتنا.


  • ترجمة: ضياء عكيل
  • تحرير: أميمة الدريدي
  • المصدر