المثير في الموضوع أنه و منذ إعداد المقالة، و حتى أثناء العمل عليها، اضطررنا تغيير العديد من المعلومات لأن الصدارة متأرجحة. في هذه اللحظة، عادت أبل لتحتل الصدارة، لكن مشاكلها مؤخرًا و خاصة مع ال FBI قد تكون مؤذية لها.

في مُعظم السّنوات الخمس الماضية، كانت أبل هي الشّركة الأكثر قيمةً في العالم، بجانب شركة النّفط العملاقة ‘إكسون موبيل (ExxonMobil)’، التي حلَّت في المرتبة الثّانية، وباقي الشّركات تاليًا.

ولكن مؤخّرًا، تباطأ نموّ أرباح شركة أبل، بينما “ألفابِت” – وهي الشَّركة الأمريكيّة التي يعرفها مُعظمنا كجوجل – شَهِدت استمرارَ نموّ أرباحها.

والمُحصِّلة بالنّهاية: اجتازت ألفابِت أبل مؤخّرًا (يوم الثلاثاء)، لِتُصبح أكثر الشَّركات قيمة في العالم.

إلّا أنَّ هذا لم يستمرّ، فقد استعادت أبل الصّدارة صباح يوم الأربعاء. بشكلٍ أساسيّ، تمتلك الشركتان الآن نفس القيمة تقريبًا – حوالي 500 مليار دولار.

الشّيء الرّائع في هذا، هو أنَّ الدّخل التّشغيليّ لِأبل في عام 2015 (وهي عبارة عن الأرباح) يساوي 71 مليار دولار، وهو أكبر بثلاثة أضعاف من دخل جوجل التّشغيليّ (20 مليار دولار).

لذا، قد تتوقّع أنّ القيمة السُّوقيّة لأبل أعلى بكثير من جوجل. في الحقيقة، تُقيِّم وول ستريت (Wall street) الشركتان بنفس القَدَر، وهي إشارة إلى أنَّ السُّوق أكثر تفاؤلًا بكثير حول فُرص نموّ جوجل. يتوقّع المُستثمرون مُواصلة أرباح جوجل بالصُّعود، بينما تَعتقِد وول ستريت أنّ أرباح مبيعات هواتف آيفون الضَّخمة ستنخفض في النِّهاية.

تجني جوجل معظم أموالها من الإعلانات:

تقوم جوجل بالكثير من الأشياء المختلفة. لديها مُتصفّح يُدعى “كروم”، ونظام تشغيل هواتف ذكيّة يُدعى “أندرويد”، ومجموعة واسعة من الخدمات عبر الإنترنت مثل “جي ميل”، “مُستندات جوجل”.

تعمل الشّركة الأم لجوجل؛ “ألفابِت”، على سيّارات القيادة الذّاتيّة، شبكات إنترنت سكّانيّة واسعة النّطاق (residential broadband networks ) في عددٍ من المُدن، وأكثر من ذلك بكثير. ولكنّ إيرادات جوجل تأتي في معظمها من مصدرٍ واحد؛ وهي الإعلانات.

تُشكّل الإعلانات حواليّ 90% من إيرادات جوجل الكُلّيّة، ثلاثة أرباع عائد الإعلانات هذا يأتي عن طريق الإعلان على مواقع جوجل الخاصّة – بضِمنها حصّة كبيرة في السّوق لِمُحرّك بحث جوجل الرّائد.

الرُّبع الباقي يأتي من شبكات الإعلانات التّابعة لجوجل، والتي تبيع الإعلانات التي تظهر على صفحاتٍ غير صفحاتها.

بعض المنتجات رفيعة المستوى لجوجل لم تُدعم إعلانيًّا مباشرةً، ولكن مُعظمها تَدْعم بشكلٍ غير مباشر تجارة جوجل الإعلانيّة – وخصوصًا محرّك بحثها الرائد.

على سبيل المثال، صناعة نظام “أندرويد” وإعطائهِ لشركات الهواتف الذكية يساعد على ضمان أنّ محرّك بحث جوجل وباقي خدماتها عبر الإنترنت لا تزال عند متناول مستخدمي الهواتف الذكيّة، فتزداد شعبيّتها.

وبالمثل، امتلاك مُتصفّح الإنترنت الرّائد؛ “كروم”، يساعد جوجل في توجيه المُستخدمين نحو محرّك البحث الخاصّ بها.

هذا يتطلب الكثير من الأموال؛ حيث دفعت جوجل لأبل 1 مليون دولار في عام 2014 لضمان بقاء جوجل محرّك البحث الافتراضيّ في أجهزة آيفون.

وحتّى عام 2014، دفعت جوجل مئات ملايين الدّولارات كل سنة لتضمن بقاء جوجل محرّك البحث الافتراضي لمتصفَّح فايرفوكس (حديثًا، زايَدَت شركة “ياهو” المبلغ على جوجل ليُصبح محرّك بحثها هو الافتراضيّ لفايرفوكس).

أعمال الإعلانات تُمثّل العائِد المُربِح لجوجل:

a

تجني أبل مُعظم أرباحها من هواتف آيفون:

بينما تَحصل جوجل على معظم أموالها عن طريق الإعلانات، تجني أبل معظم أموالها من بيع هواتف آيفون.

يُعتبر هاتف آيفون الأكثر رِبحًا للشّركة مُقارنة بالعديد من منتجاتها الأخرى. باعت أبل حواليّ 231 مليون هاتف آيفون في عام 2015، حصلت بالمُقابل على 154 مليار دولار كعائدات.

في رُبعها الأخير، حصلت أبل على ضعفيّ العائدات من الآيفون عن جميع منتجاتها الأخرى – آيباد، حواسيب ماك، ساعات أبل، إلخ – معًا.

شَهِدت أبل -مثل جوجل- ارتفاع إيراداتِها خلال السّنوات القَليلة السّابقة، مع ارتفاع شعبيّة جهاز آيفون.

ولكن خلافًا لجوجل، يبدو أنّ أبل تشهد تباطؤًا في نموّها السّريع السابق. في رُبعها الأخير، بلغت إيرادات أبل 2% فقط مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

تبدو المُشكلة في اقتراب جهاز آيفون من سدّ حاجة السّوق (إشباع السّوق). تُهيمن أبل على سوق الهواتف الذّكيّة الفاخرة لدرجة أنّ معظم النّاس في جميع أنحاء العالم لو سنحت لهم الفُرصة لِشِراء هاتف آيفون لفعلوا ذلك.

ستكون أبل قادرة على مواصلة بيع عشرات الملايين من هواتف آيفون كلّ ربع ماليّ، طالما يستمرّ مُستخدِموها الحاليّون بالتَّرقية، بالتَّأكيد.

ولكن مبيعات هواتف آيفون في الرُبع الأخير كانت تقريبًا مُتماثلة مع مبيعاتها العام الماضي. هذا يشير إلى عدم وجود مجال أكبر لنموّ مَبيعات هواتف آيفون.

إذًا لمُواصلة النّموّ، تحتاج أبل للخروج بنجاح كبير آخر. إلّا أنّها لم تكُن قادرة على القيام بذلك. جهازها اللوحي ‘آيباد’ شعبيّ للغاية، لكنّه لا شيء مقارنة بشعبيّة الآيفون، كما أنّ مبيعاته تنخفض في الواقع.

وول ستريت أكثر تفاؤلًا بشأن نمو جوجل عن أبل:

بالطَّبع، يُمكن لأبل أن تفاجئنا دائمًا. تمتلك الشركة موظفين موهوبين وعشرات المليارات من الدّولارات لاستثمارها في مُنتجاتٍ جديدة.

لكنّ سعر سهم أبل يُشير إلى أنّ وول ستريت، على الأقل، ليسَت مُتفائلة عن فرص أبل بالإتيان بأيِّ شيءٍ جديد يحقّق نفس نجاح هواتف آيفون. الإحصائيّة الأساسية للنّظر إليها هنا، هي نسبة السّعر إلى الأرباح، والتي تعني؛ سعر سهم الشّركة مقسومًا على أرباحها السّنويّة.

إذا كانت نسبة السّعر إلى الأرباح (Price-Earnings Ratio) مُرتفعة، هذا يعني أنّ وول ستريت ستدفع مبلغًا على أمل أن ترتفع الأرباح مع مرور الوقت.

أمّا النّسبة المُنخفضة لالسّعر مُقابل الأرباح، تٌشير إلى أنّ وول ستريت تتوقّع ركودًا في الأرباح، أو حتّى انخفاضًا في المُستقبل.

شركات التّكنولوجيا النّامية بسُرعة، لديها أسعارُ أسهمٍ تبلُغ 20، 50، أو حتّى 100 ضعف أرباحها. تبلُغ نسبة السّعر إلى الأرباح لدى جوجل مثلًا زُهاء الـ35. في المُقابل، تبلُغ نسبة السّعر مقابل الأرباح لأبل زُهاء الـ10 تقريبًا.

وهذا يعني أنَّ وول ستريت تُقيّم أبل كشركةِ مَرافقَ “بليدة” – لا تزال مُربحة للغاية، ولكن مع احتمالٍ ضئيلٍ للنّموّ في المستقبل.

مُؤسّس أبل ذو الشّخصيّة الكاريزميّة توفي، بينما مؤسِّسا جوجل لازالا موجودَيْن:

هناكَ الكثير من شركات التّكنولوجيا التي حقّقت نجاحًا واحدًا كبيرًا، بعد ذلك توقّفت عن النّموّ عندما نضج منتجها الأوّليّ. مثل “ياهو”، “تويتر”، و”إي باي”، كُلّها أمثلة لشركات تبدو وكأنّها اصطدمت بعائقٍ عويص.

الذي يجعل أبل وجوجل لافتَتَيْن للنّظر، أنّهما كانتا قادرتين على اللحاق بالنّجاح الأوّل – أجهزة الحاسوب الشّخصيّة في وقتٍ مُبكِّر لدى أبل، مُحرّك بحث لدى جوجل – مع العديد من المُنتجات النّاجحة الأخرى. امتلكت أبل الآيبود، الآيباد، والآيفون.

حَصَلت جوجل على الجي ميل، خرائط جوجل، أندرويد، كروم، وهلُمَّ جرًّا.

إنّه لَمِن المُستحيل القول بالتّحديد، لماذا تستمر بعض الشّركات بالازدهار، بينما تكون الأخريات من أصحاب النّجاح المفرد، ولكن هناك موضوع واحد مشترك يبدو إن أنجح الشّركات لا زالت تمتلكه: وجود مؤسِّسيها أصحاب الشّخصيّات الكاريزميّة الجذّابة على رأس الفريق.

عانَت أبل خلال غياب ستيف جوبز بين عامي 1985 و1997، بعدها تمتّعت بعودةٍ مُذهلةٍ من عام 1997 وحتّى وفاته في عام 2011. جوجل كانت تحت سيطرة مؤسسيها، لاري بيج وسيرجي برين، منذ البداية.

يمتلك المؤسِّسون مستوًى غير مسبوقٍ من الاحترام المُتبادل بين الموظفين. لإنّهم كانوا موجودين في الشّركة مُنذ البداية، كما ويمتلك المؤسِّسُون علاقات مع أشخاص عبر البلد بأكملِه.

هذا مُهم بشكلٍ خاص عندما تحتاج الشركة إلى إجراء تغييرٍ كبير. الموظفون في الشّركات العظيمة سابقًا والمُكافحة حاليًّا، لديهم ميل لمُغازلة أيّام الشّركة الأولى والتَّغنّي بها، ومقاومة التّغييرات الضّروريّة.

في هذه اللحظات، لا يمتلك أحدٌ مصداقيّة أكثر سوى مؤسّسي الشّركة، لوَضعِ هذه المخاوف في منظورها الصحيح، وخلق الحالة التي تحتاجها الشّركة للتَّغيير إذا ما أرادت النّجاة.

تسمح المصداقيّة الكبيرة التي يتمتّع بها المؤسسون لهم أيضًا بحريّة التّصرف، وتحمّل المخاطر الكبيرة.

يؤدّي المُدراء التنفيذيّون العاديّون دورهم عند رغبةِ مجلس الإدارة، لذا يتوجّب عليهم القلق بشكلٍ مُستمرّ من إمكانية خسارتهم لوظائفهم إذا ذهبوا بعيدًا جدًّا في التّصرف لوحدهم بشكلٍ مُختلف، ووقعوا في ورطة.

أمّا ميل المؤسّسين إلى كونهم أكثر أمانًا في وظائفهم، يجعلهم قادرين أكثر على تحمُّل المخاطر الكبيرة والدّفع باتّجاه التّغييرات الضّروريّة.

أبل بالتّأكيد، فَقدت مؤسِّسها صاحب الرّؤية بسبب السّرطان في عام 2011. تُدار الشّركة الآن بواسطة تيم كوك، رجُل بحسب كلّ الاعتبارات، مُديرٌ مُتمكّنٌ، ولكن يبدو أنّه لا يمتلك رؤية ستيف جوبز، قبل وفاة جوبز، ركّز كوك على تحسين عمليّات أبل، بدلًا من صناعة مُنتجات جديدة.

ألفابِت، من النّاحية الأخرى، لا تزال تُدار بواسطة مؤسِّسَيْها لاري بيج وسيرجي برين.

لقد وضعوا رهاناتٍ كبيرة على كلّ شيء من نظام الأندرويد، إلى السّيّارات ذاتيّة القيادة. بعضُ هذه الرّهانات قد فشلت، ولكن البقيّة كانت قد حقَّقت نجاحاتٍ كبيرةٍ ومُوفّقة.

هذا قد يكون أحد الأسباب لماذا وول ستريت مُتفائلة بشأن ألفابِت، ومُتشائمة بشأن أبل.

الآيفون مُنتجٌ عظيم، ولكن هناك سببٌ وجيه للاعتقاد بأنّ تيم كوك لن يكون قادرًا على صناعة المزيد من المُنتجات التي تحقّق نفس النّجاح الذي حقّقه الآيفون. من ناحيةٍ أخرى، يبدو أنّ السّوق يأمل وينتظر بيج وبرين للبدء بمشوارهم.