من المتعارف عليه أنّ اليهود الحاليين ينحدرون من جماعات كانت تقطن فلسطين، لكن دراسة جينية جديد تبين خلاف ذلك.

عن طريق نظرة دقيقة لآلاف الجينومات، وُجِدَ أنّ الاشكناز، و هم فصيلة من اليهود تكوّن ٨٠% من التعداد الإجمالي لليهود عالميًا، بينما يمثلون ٩٠% من يهود أميركا ونصف يهود دولة اسرائيل، تبين أنهم لم يأتوا من الشرق الأوسط بل بالأحرى من أوروبا الغربية و على الأغلب من إيطاليا.

معظم المؤرخين يتفقون في اعتبار الاشكناز أحفادًا ليهود أتوا إلى وسط أوروبا من الشرق الأوسط قبل القرن الثاني عشر.

الاشكناز يُحيلون أصولهم بشكلٍ تقليدي إلى الإسرائليين الذين ظهروا.

الإسرائليين ظهروا بدورهم منذ ٣٠٠٠ إلى ٤٠٠٠ عام في الشرق الأوسط، وفقًا للكتابات التوراتية و الأدلة الآثارية [1] ولقد تشتتوا في حدود عام ٧٠ م عندما دمّر الرومانيون معبدهم التدمير الثاني.

على الصعيد الآخر هناك دراسات حديثة دعمت النظرة التقليدية هذه لأصل اليهود؛ دراستان، واحدة ترأسها (هاري أوسترير) من كلية نيويورك للطب والأخرى يرأسها عالم الجينات (دورون بيهر) من كلية رامبام للعناية الطبية في حيفا.

كلتا هاتان الدراستان أحالتا ثلاث مجموعات يهودية إلى الشرق الأوسط منذ ما يقارب الـ٢٠٠٠ عام.

تلك الجماعات هي، الاشكناز، السفرديم، و اليهود المشرقيون.

دراسة أوسترير استخدمت الحمض النووي لنواة الخلية في تحليلها ، بينما دراسة بيهر استخدمت كلاً من الحمض النووي للخلية (DNA) و الحمض النووي للميتوكوندريا (mtDNA).
قَبِل الكثير من المختصين نتائج هاتين الدراستين في حينها.

رغم ذلك كان هنالك تساؤلات ملحة، منها على سبيل المثال، أن أوسترير و بيهر كانا قد قاما بأخذ عينات فقط من بضع مئات من اليهود.

ورغم قيام بيهر بتحديد أربع مجموعات رئيسية “جماعات مُنشئة” تندرج كعائدة للاشكناز، كلهم يُزعم أنهم يعودون بأصولهم لشرق الأوسط، تمكنت هذه الدراسة فقط من تتبع ٤٠% من المجموع الكلي للمتقدمين للفحص.

لذا عقد فريق بحثي آخر، بقيادة مارتن ريتشاردز في جامعة هادرسفيلد في بيرطانيا، العزم على القيام ببحث يتناول الأصول لتلك “الجماعات المنشئة” الأربعة.

الفريق صبّ اهتمامه على اتّباع الفحص المخبري للـmtDNA، والذي ما يستخدم في العادة في مثل هكذا نوع من الدراسات والأبحاث وذلك لسهولة تحليل وفك التسلسل لكميات كبيرة من العينات الخاضعة للفحص.
الأهم من ذلك هو أنّ الـmtDNA يتم توارثه عن طريق الأم فقط و دون الأب، أي أن الأم تُورِثُه لأبنائها و بناتها و لكن لا يُوَرثُه إلا بناتها لبناتِهن.

مختصون متعددون في علم الجينات تمكنوا من تحديد علامات mtDNA تميز الأنساب عن بعضها في نواحي مختلفة في العالم.

فريق بيهر تمكن بدوره من تعقب مجموعة منشئة يهودية إلى خطى نسب جينَين يدعيان الهبلوغروب كيه و الهبلوغروب أن واحد بي (haplogroup K and haplogroup N1b)، الهبلوغروب هو مجموعة من الناس تنتمي لفئة معينة تحمل نفس الطفرة في جينات الميتوكوندريا أو الكروموسوم الذكوري Y و بالتالي لا يتم الاختلاط فيها بين السلف الأبوي و الأمومي.

اليهود تمّ اقحامهم في هاتين المجموعتين اللتين تحتويان يهوداً و غير يهود أيضاً.

لذا قرر فريق ريتشاردز البدء بفهم تاريخ هذه المجموعات الفضفاضة.

حيث قاموا بتحليل ٢٥٠٠ جينوم mtDNA تحليلاً كاملاً بالاضافة إلى ٢٨٠٠٠ جينوم أخريات تحليلاً جزئيًا كلها، كل سابق الذكر، تعود لأناس معظمهم غير يهود.

زائد ٨٣٦ جينوم mtDNA جزئي ليهود اشكناز كل ذاك كان بغية تحديد موقع الاشكناز في التاريخ اليهودي.

النتائج كانت واضحة تماماً، كما قال صاحب البحث في ال (Nature Communications)، أكثر من ٨٠% من جينومات الاشكناز لها أصول تعود لألاف السنين الى اروبا الغربية، أي قبل أو أثناء العهود التوراتية – و في بضع الحالات الى الأزمنة التي لم تكن بعد قد وجدت زراعة فيها في تلك البقاع من القارة الأروبية أي حوالي ٧٥٠٠ عام.

أقرب تتطابق كان بين الحمض النووي الميتوكندري (mtDNA) العائد لهؤلاء اليهود و سكان ايطاليا الحاليين.
هذا يعني أن الاشكناز يتسطيعون احالت أصولهم الى نساء عاشت في أوروبا في تلك العصور.
على الطرف الآخر، عدد قليل جدًا من الاشكناز قادرون على إحالة ذاك النسب إلى الشرق الأوسط.

هذه النتائج لا تتعارض مع نتائج بيهر فقط، بل و مع الافتراضات الشائعة عن أصل الهوية اليهودية.

اليهود دائماً ما يَعتَبِرون بتقاليدهم، أن الأم هي التي تحدد الأصل العرقي للأبناء.

لذا، إذا ما تم تعريف اليهود بأولئك المتحدرين من أصول اسرائيلية عن طريق الخط الأمومي، فإن العديد من اليهود الاشكناز يكونون قد فشلوا فذاك الاختبار وفقاً لهذه النتائج الجديدة.
ريتشاردز بدوره يقر بمدى الجدل الذي قد يثيره هذا البحث و يقول “لقد تنبأت ببعض المعارضة التي قد تنالها نتائجنا في بعض القطاعات”.

و يكمل “الطريقة الوحيدة لموافقة نتائج هذا البحث مع نتائج بحوث الآخرين السابقين له هي (افتراض) أن النسب الاشكنازي نشأ عن طريق خط أبوي أصيل من الشرق الأوسط، لكن الخط الأمومي كان قد نشأ في فترات أبكر في أوروبا.
ثم قامت مجموعة نساء أوروبيات بالتحول الى الديانة اليهودية بعد قدوم رجال يهود لقارتهن من الشرق الأوسط، و بذلك تمّ تأسيس النسل الاشكنازي الذي نراه اليوم.

و هذا قد يتوافق مع آراء بعض المؤرخين بأنّ هنالك نساء تحولن لليهودية في المناطق الأوروبية المطلة على البحر المتوسط في غضون الفترة الهيلنستية، أي حوالي (٣٠٠ ق.م – ٣٠ق.م).

أعقب عالم الجينات الرائد في دراسة جينات القارة الأوروبية (أنطونيو توروني) من جامعة بافيا الإيطالية على النتائج الجديدة بقوله “النتائج هذه مقنعة جدًا و اضافة بأن نتائج حديثة أخرى لأبحاث تتناول الحمض النووي لنواة الخلية DNA كانت قد أبرزت التقارب الشديد بين الاشكناز و الإيطاليين”.

النتائج هذه بذلك تكون قد دقت آخر مسمار في نعش النظرية القائلة بأن أصل الاشكناز كان من الخزر -شعب تركي عاش في القوقاز وتحوّل أسياده إلى الديانة اليهودية في حدود القرن الثامن ميلادي-.
(بيهر) بقي غير مقتنع بتلك النتائج و عبّر عن رغبته هو و معاونه بتقديم نقد لبحث (ريتشاردز) لمجلة تخطع لرقابة النظراء (peer-reviewed scientific journal).

[1] : الحقيقة أن نتائج البحوث و التنقيبات الآثارية في الضفة الغربية تتعارض مع ما هو وراد هنا، راجع آراء كبير المنقبين الاسرائليين (اسرائيل فلنكشتاين) في هذا الصدد.